مرتزقة أكْفاء وتجار عند الحاجة.. بنوك بمنزلة جيوش
مرتزقة أكْفاء وتجار عند الحاجة.. بنوك بمنزلة جيوش
رغم كل هذا.. لن يستطيع أحد الإنكار إذا قلت إن سويسرا بلدة جرداء، معزولة، خالية من الثروات، لكنها للغرابة دولة محايدة ذات اقتصاد مُستقر، مما سيجعلها وسيطًا مثاليًّا في تجارة السلع الأساسية، لقد امتلكت سويسرا مجموعة من المؤسسات الرائدة ورجال الأعمال الذين استطاعوا المنافسة في أسواق النفط والغاز، إنهم متشبعون بالتقاليد السويسرية التي تجبرهم على الدقة الفائقة، إذًا كيف سيضع السويسريون أنفسهم في قلب شبكة التجارة العالمية؟
يعود هذا إلى زمن ما قبل الدولة، كان السويسريون معروفين بأنهم مرتزقة أقوياء، وكانت عَلاقاتهم طيبة مع السياسيين وسكان البلاد التي حاربوا فيها، وانتهت الحرب وتأسست سويسرا، وحُرِّم تجنيد المرتزقة، لكن بقيت عَلاقاتهم الوثيقة في السوق العالمية كما هي، كانت تجارة السويسريين بسيطة ومباشرة، هم يريدون السلع، ولا يهتمون بكون السلطة في هذا البلد أو ذاك فاسدة أو غير ذلك، بهذا يستطيعون الحصول على سلعهم بأسعار أقل من منافسيهم، وتصبح الكوارث الطبيعية والانقلابات السياسية فرصًا مثمرة لهم، ووبالًا على منافسيهم.
ميدان آخر أثبت السويسريون سيطرتهم الكاملة فيه، هو قطاع الخِدْمات المالية، إذ تُعد سويسرا من أكثر الدول كثافة في عدد البنوك على أراضيها، ويشكل هذا القطاع أحد أهم مكونات اقتصادها، لكن داخل هذا الصندوق صندوقًا أصغر وأوضح تأثيرًا، إذ إن أكثر ما تخصصت به البنوك السويسرية، ليس الأعمال المصرِفية، لكنها السمعة الممتازة في مجال “إدارة الثروات”؛ تدفقت رؤوس الأموال الضخمة الهاربة من الحروب التي تبحث عن الدقة والسرية، يمكننا القول إن النظام السويسري نما على أنقاض أوربا، بمغامرات حمقاء وحروب اشتعلت في كل وقت خارج سويسرا، وكلما اشتدت الأضرار بالخارج، ارتفعت الأرصدة في البنوك السويسرية.
كانت المصارف السويسرية، ككل المؤسسات في هذا البلد، تبذل قصارى جهدها لإخفاء أرباحها السنوية، لكن مع دخولها المنافسة العالمية، وجد العملاء أنفسهم لا يعرفون إذا كانت هذه البنوك تؤدي بشكل جيد، ومع بداية التسعينيات، تخلت البنوك عن التقاليد القديمة، وخلعت عنها رداء الطابع المحلي، لتتخذ نهجًا أكثر فاعلية، مُحوِّلة تركيزها من خِدْمات الأثرياء إلى الاستثمار المصرِفي.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.