رعاة جبال الألب.. “نستله” من مختبِر إلى عملاق
رعاة جبال الألب.. “نستله” من مختبِر إلى عملاق
بالرغم من كون سويسرا بلدًا قاحلًا ذا مجتمع زراعي صغير، فإن النشاط الرعوي كان حرفة أساسية في تلك الأراضي منذ القدم، ومع استخراج مشتقات الحليب، وتلذذ الفلاحين بطعم الجبن، دخلت الأذواق الشخصية في المنافسة، وعندما أدرك المنتجون أن الأجبان بمرور الزمن تقل فرص فسادها وتزداد قيمتها، كما يصبح حملها وتوزيعها أسهل، نافسوا بأجبانهم في السوق العالمية، وخرجت “إمِنْتال” للنور، كأول علامة تِجارية سويسرية.
وعلى الرغم من الهيمنة السويسرية على هذه السوق في أوقاتها المبكرة، فقد صاحبها أيضًا تجسس المنافسين على أسرار صناعة الجبن السويسرية، جعل ذلك السويسريين يرتفعون بمنتجاتهم إلى مستوًى عالٍ، ويستخدمون أساليب ووصفات معقدة يصعب تقليدها، حتى سُنَّت لاحقًا قوانين الملْكية الفكرية.
ربما كانت معظم الابتكارات السويسرية بأيادٍ نصف محلية أو مهاجرين، وكانت إحدى أشهر الشركات السويسرية على يدي أحدهم، فقد أتى “هاينْريخ نِسْتله” إلى سويسرا هربًا من الاضطهاد السياسي، وأبدى فضولًا نحو العمل الصيدلي، خرج “نستله” من تجارِبه بمجموعة من المشروبات الغازية، وكانت هذه بدايته في سوق المنتجات الغذائية، لكن لم يكن أي منها هو الذي أجلس “نستله” على عرش السوق العالمية، بل كان منتجه الرائد الذي استهدف الأطفال الرضع، كبديل عن حليب الأمهات.
خرجت شركة “نستله” من الحرب العالمية الثانية بشهية مفتوحة، واستحوذت على أي منتج جديد يبدو مبشرًا، لكن مع التوسع الكبير، أصبحت الشركة ضخمة بطيئة للغاية، ضاقت مساحة السوق، وقلت معدلات النمو بسبب التهام “نستله” لمعظمها، وكان على الرئيس القادم التأسيس لمنهجية لا مركزية عن طريق الاعتماد على الفروع المحلية وإعطائها مزيدًا من الصلاحيات.
ربما تكون “نستله” هي المثال الأشهر، لكنها ليست استثناءً، فقد أخرج قطاع الأغذية السويسرية عديدًا من الابتكارات التي جلبت الشهرة إلى البلد بأكمله، وأبرزته للعالم، واستفادت “نستله” كذلك من هذه المنافسة، لكن هل يحمل المستقبل شيئًا من الأمل في شركات ناشئة أخرى في هذا القطاع؟ هل “نستله” جديدة ما زالت بالإمكان؟ تقول البيانات نعم، إن النمو السكاني في أقصى فتراته تطرفًا، وما زال بوسع السوق العالمية استيعاب مزيد من الطموحين.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.