المولد المسيحي.. لا حدَّ بين الأرض والسماء
المولد المسيحي.. لا حدَّ بين الأرض والسماء
ربما نجد شيئًا من التشابه في الممارسات الشعبية وشكل الموالد في مصر بين المسلمين والمسيحيين، ولكن هذا التشابه سوف يقف عند هذا الحد، فهناك عدد محدود للغاية من القديسين المسيحيين، وربما نُرجِع هذا من الوهلة إلى الفرق الشاسع في الكثافة السكانية بين المسلمين والمسيحيين، ولكن يعود ذلك بشكل أكثر تأثيرًا إلى منظومة الكنيسة الأرثوذكسية، وغير أن القداسة في المسيحية لا تكتسب إلا بالشهادة أو الرهبنة، فإن الكنيسة هي الجهة المختصَّة بإعلان القديس وضم اسمه إلى القداس، ولذلك يعود عصر الكثير من القديسين المسيحيين إلى حقبة الاضطهاد الروماني الذي سُمِّي “عصر الشهداء”، ولا يعني هذا انعدام الفاعل الشعبي في هذه المنظومة، فأحيانًا كان الأفراد المسيحيون يدَّعون عثورهم على جثث الشهداء والقديسين بهدي من الرؤى في منامهم، وإقامة مقام لهم ومن دون انتظار اعتراف الكنيسة، ويُقابل هذا أحيانًا بسخط كبير من الدوائر الرسمية المسيحية، ولكن إذا تطرَّق الأمر إلى الأسطورة والقداسة، لا يعبأ العامة بأحد.
تلك الخطوط الحمراء الكثيرة التي أحاطت الصوفية والأولياء، لا وجود لها في المسيحية الرسمية أصلًا، فما بالك بالأوساط الشعبية؟ فقد حاز الرهبان والقديسون المسيحيون الأحياء منهم والأموات الاعتقاد بالقدرة والوساطة السماوية منذ فترات مبكرة في التاريخ المسيحي، جاوزوا فيها الحدود البشرية، وورثوا أساطير الآلهة الوثنية في بعض الأحيان، ولا تختلف تفاصيل تلك الكرامات عن نظيراتها الإسلامية كثيرًا، ففي النهاية يتشارك معتنقو الأديان السماوية الثلاثة نفس الحكاية بتفاصيل مختلفة.
الفكرة من كتاب الموالد والتصوف في مصر
إن التلاحم بين العناصر الدينية وغيرها في الشرق الأوسط، يظهر بشكل واضح في العديد من الممارسات الصوفية، تلك المشاعر المختلطة بين الخشوع والرجاء، والرغبة والرهبة، تذهل كل من يعاينها ويختلط بأصحابها، وقد شهد الدكتور الهولندي نيكولاس تلك الموالد، ووثَّق حوادثها بمشاعر الرحالة، واختلط بالمشايخ والمريدين لينقل لنا صورة معاصرة لتلك المذاهب، وهي بالتالي مختلفة بالكامل عن الصورة الأكاديمية والنماذج الذهنية المُعدَّة لها، ولا يختصُّ الكتاب بالخلافات المذهبية بين الصوفية وغيرهم بشكل مباشر، فقط إنها عين أوروبي يوثِّق الأفكار التي لم يرَها خارج الكتب من قبل.
مؤلف كتاب الموالد والتصوف في مصر
نيكولاس بيخمان: وُلِد في هولندا عام 1936م، والتحق بجامعة لايدن في هولندا، حيث درس اللغات الشرقية؛ العربية والتركية، وحصل على درجة علمية في الدراسات الإسلامية، كما عمل سفيرًا لهولندا في الأمم المتحدة، وشغل منصب السفير الهولندي في القاهرة بين عامي 1984 و1988 م.
من مؤلفاته:
سكوبيا أحباب الله.
العيش في التصوف.
معلومات عن المترجم:
رؤوف سعد: درس الصحافة والمسرح وعمل بهما، ويقيم حاليًّا في هولندا، وله عمل روائي بعنوان “بيضة النعامة”.