أهل الله.. الطريقة كمجتمع وعائلة
أهل الله.. الطريقة كمجتمع وعائلة
لم يغِب اليهود عن الصورة أيضًا، فثمة مولد يهودي واحد يقام سنويًّا في دمنهور، لكنه يتناقض مع مفهوم المولد الشعبي، حيث يتم منع الأهالي من الاقتراب ناحية الضريح أثناء إقامة المولد، وينحصر الحاضرون في اليهود القادمين من المغرب وإسرائيل، ويسيطر على جو هذا المولد حالة من التكتُّم والحذر، سواء لارتباطه بعلاقات اجتماعية مع إسرائيل أو لأن الأهالي يعتقدون أن “أبو حصيرة” ولي مسلم، وأن اليهود سرقوا الضريح كعادتهم دائمًا، ما ينزع من المولد صخبه ومولده بالكامل.
من الطبيعي أن نتساءل حول هذا العدد الضخم من الأولياء المسلمين، وهذا الاتصال للطرق الصوفية الذي لا ينقطع معظمها بعد تأسيسها، فعلى الرغم من التشديدات الشرعية حول العلاقة الخاصة والمباشرة بين الله وعباده، وبساطة التعاليم الإسلامية، وخلوِّها من الرتب والكهنوت الديني، وجدت الطرق الصوفية ذيوعًا واسعًا، ويعود ذلك إلى غياب السلطة الدينية المركزية في الإسلام، فليست هناك جهة للاعتراف بولي ما أو إنكاره؛ إنها عملية تبدأ وتنتهي بين العامة، ولذلك لم ينقطع الوجود الصوفي على الإطلاق، وبعيدًا عن نظرية الأقطاب وخلافها، فقد لعبت الوراثة الدور الأكبر في هذا الاتصال، حيث يرث ابن الشيخ ولاية الطريقة ويورِّثها لأحفاده أيضًا، وتُذهلنا قصص اكتساب وإثبات الولاية، وتنحصر القصص حولها في بعض الكرامات التي تَثبُت للولي أثناء حياته، أو مشاهدته في الرؤى والأحلام، ولكن الأهم من هذا كله، هو علاقته مع الله، أما إذا كان من سلالة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد حاز الكرامة من جميع الجوانب، ولكن في بعض الحالات لا يقف الأمر عند الذكر، ففي بعض الأوقات امتزجت الطرق الصوفية بالسياسة أيضًا.
الفكرة من كتاب الموالد والتصوف في مصر
إن التلاحم بين العناصر الدينية وغيرها في الشرق الأوسط، يظهر بشكل واضح في العديد من الممارسات الصوفية، تلك المشاعر المختلطة بين الخشوع والرجاء، والرغبة والرهبة، تذهل كل من يعاينها ويختلط بأصحابها، وقد شهد الدكتور الهولندي نيكولاس تلك الموالد، ووثَّق حوادثها بمشاعر الرحالة، واختلط بالمشايخ والمريدين لينقل لنا صورة معاصرة لتلك المذاهب، وهي بالتالي مختلفة بالكامل عن الصورة الأكاديمية والنماذج الذهنية المُعدَّة لها، ولا يختصُّ الكتاب بالخلافات المذهبية بين الصوفية وغيرهم بشكل مباشر، فقط إنها عين أوروبي يوثِّق الأفكار التي لم يرَها خارج الكتب من قبل.
مؤلف كتاب الموالد والتصوف في مصر
نيكولاس بيخمان: وُلِد في هولندا عام 1936م، والتحق بجامعة لايدن في هولندا، حيث درس اللغات الشرقية؛ العربية والتركية، وحصل على درجة علمية في الدراسات الإسلامية، كما عمل سفيرًا لهولندا في الأمم المتحدة، وشغل منصب السفير الهولندي في القاهرة بين عامي 1984 و1988 م.
من مؤلفاته:
سكوبيا أحباب الله.
العيش في التصوف.
معلومات عن المترجم:
رؤوف سعد: درس الصحافة والمسرح وعمل بهما، ويقيم حاليًّا في هولندا، وله عمل روائي بعنوان “بيضة النعامة”.