أعياد طبقية.. من المسجد إلى الحارة
أعياد طبقية.. من المسجد إلى الحارة
نسير في إحدى حارات القاهرة العتيقة، وإذا بصوت صاخب، ولكنه منتظم مفعم بالمشاعر؛ أضواء ساطعة تنتظرنا في نهاية الطريق، وكتل متلاحمة من الوجد والخشوع تهتز على الأنغام، وتلهج بالذكر، إنه مولد ما بلا شك.
من الممكن أن يعيش الإنسان في مصر ولا يرى مولدًا في حياته، وهناك بعض آخر لا يدور عليهم الأسبوع حتى يحضروا مولدًا لشيخ هنا أو هناك، ذلك لأن أماكن تلك الموالد غالبًا ما تكون في حي شعبي مكتظ بأهله أو في قفر بعيد، وربما أيضًا بسبب عدم انتظام تلك الموالد في موعد سنوي ثابت، فلطالما اختلفت أوقاتها حسب مواعيد المحاصيل أو لاتفاقها مع شهر رمضان، ويرتبط المولد في الثقافة الشعبية بشكل وثيق بالطعام والحلوى، وهناك بعض الأصناف كالحمص والفسيخ تحظى بالشهرة في تلك المهرجانات، وعلى غرار كل شيء في القاهرة، لا تفتقر حلوى المولد إلى رمزية، والإطعام والكرم أثناء المولد سمة خاصة بالموالد الإسلامية، فالكل مُرحب به داخل الساحة ليقتسم الطعام مع المريدين ويزيد البركة.
إذا تعمَّقنا في الجنوب قليلًا، نجد مرماح الخيول والتحطيب في الصعيد يرافقان الموالد أينما حلَّت، وفي المرماح لا تكون المنافسة بين الخيول، إنما بين سادتها، ولا تكتمل موالد مشايخ الطرق من دون “الزفة”، حيث يمتطي نائب الطريقة حصانه ويتوجَّه بالموكب ناحية مقام الشيخ، تحت كل تلك الأستار الكثيفة من الأضواء والزينة، وصوت “الله” المتعالية من الميكروفونات، تُقام الليلة الكبيرة، وربما لا توجد قرية في مصر من دون ضريح أو مقام، وعلى ذلك يمكننا القول إنه لا يمر يوم في مصر دون مولد لولي هنا أو لشيخ طريقة هناك، ولكن من أين أتى المصريون بكل هذا الزخم والتفاصيل المعقدة في الاحتفال؟
الفكرة من كتاب الموالد والتصوف في مصر
إن التلاحم بين العناصر الدينية وغيرها في الشرق الأوسط، يظهر بشكل واضح في العديد من الممارسات الصوفية، تلك المشاعر المختلطة بين الخشوع والرجاء، والرغبة والرهبة، تذهل كل من يعاينها ويختلط بأصحابها، وقد شهد الدكتور الهولندي نيكولاس تلك الموالد، ووثَّق حوادثها بمشاعر الرحالة، واختلط بالمشايخ والمريدين لينقل لنا صورة معاصرة لتلك المذاهب، وهي بالتالي مختلفة بالكامل عن الصورة الأكاديمية والنماذج الذهنية المُعدَّة لها، ولا يختصُّ الكتاب بالخلافات المذهبية بين الصوفية وغيرهم بشكل مباشر، فقط إنها عين أوروبي يوثِّق الأفكار التي لم يرَها خارج الكتب من قبل.
مؤلف كتاب الموالد والتصوف في مصر
نيكولاس بيخمان: وُلِد في هولندا عام 1936م، والتحق بجامعة لايدن في هولندا، حيث درس اللغات الشرقية؛ العربية والتركية، وحصل على درجة علمية في الدراسات الإسلامية، كما عمل سفيرًا لهولندا في الأمم المتحدة، وشغل منصب السفير الهولندي في القاهرة بين عامي 1984 و1988 م.
من مؤلفاته:
سكوبيا أحباب الله.
العيش في التصوف.
معلومات عن المترجم:
رؤوف سعد: درس الصحافة والمسرح وعمل بهما، ويقيم حاليًّا في هولندا، وله عمل روائي بعنوان “بيضة النعامة”.