تراجع سؤال النهضة
تراجع سؤال النهضة
لاحظنا المراحل الثلاث التي مر بها سؤال النهضة وقضية المدنية، التي يمكن أن تمثل بمنحنى متصاعد في التعامل مع إشكاليات الحضارة الأوروبية، حتى نصل إلى المرحلة الأخيرة وهي التراجع، حيث أخذ منحنى الأعمال التي اهتمت بإشكالية نهضة وتقدم العالم العربي والإسلامي في الانخفاض، وخفتت الأصوات المرتفعة المساهمة في قضايا العصر مع مرور السنوات، حتى ندر إيجاد رجال كسابقيهم يحاولون إضافة الجديد إلى هذا القضية، كان لذلك أسباب بالتأكيد، السبب الأول كان انهيار الخلافة العثمانية وصعود القومية بديلًا لها، واستيراد جميع النظم الغربية للمؤسسات التي تختلف تمامًا عن العالم العربي والإسلامي، والتي باشرت عملها بالكلية دون الاجتهاد في نقدها أوتحليلها.
أما السبب الثاني فهو نتيجة للأول، فالقومية قطعت الصلة بالمرجعية والتراث الثقافي والفكري الإسلامي، وتُرك المفكرون في الفراغ أمام قراراتهم الخاصة إما بالعودة لاعتناق الفكر الإسلامي وإما الاستمداد من الفكر الغربي، وهذا واضح إذا نظرنا في القضية المركزية التي يتناولها كلا العصرين، فكان همّ عصر النهضة هو سؤال النهوض والتقدم، الذي حل بدلًا منه في عصر التراجع سؤال الهوية وأساليب الحفاظ عليها أو استردادها.
والسبب الأخير كان انخفاض أسهم وتأثير التيار الإصلاحي وانتهاء زمن تألقه، مقابل ما وضع في المنافسة ضده وهو التيار السلفي بقيادة تلميذ محمد عبده المميز الشيخ محمد رشيد رضا ومن جاء بعده، وهنا بدأت النزعة المحافظة في التعامل مع العالم الغربي، واتصفت كما سيتضح بعد ذلك بأنها أقل انفتاحًا من جميع المراحل السابقة.
الفكرة من كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
عندما نسمع مصطلح عصر النهضة، ما أول شيء يقفز إلى أذهاننا؟ أراهن أننا نتخيل الفترة التي امتدت ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر في أوروبا، يرجع هذا إلى عوامل كثيرة منها سطوة الفكر الغربي على الحياة الفكرية المعاصرة، بالإضافة إلى جهلنا بالجذور الفكرية لأمتنا.
إذ إننا نمتلك أيضًا عصرًا للنهضة، حاول فيه علماء ومفكرون أجلاء بعثَ الأمة الإسلامية والعربية من مرقدها، وتنوعت إسهاماتهم في مختلف المجالات الفكرية والدعوية والاجتماعية والسياسية، فما ملامح تلك الفترة الزمنية؟ متى بدأت؟ وأين انتهت؟ ولماذا؟ ومن الذين أخذوا على عواتقهم مسؤولية محاربة الجهل والخرافات المسيطرة وقتها؟ وهل ما زالت لتلك الفترة آثار في عالمنا المعاصر؟
مؤلف كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
زكي ميلاد، كاتب وباحث ومؤلف سعودي الجنسية، ولد في القطيف عام 1965م، اهتم بالفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتأليفًا، وهو عضو في العديد من الهيئات الاستشارية الفكرية والمؤسسات المختلفة، كما أنه رأس تحرير مجلة الكلمة المهتمة بشؤون الفكر الإسلامي ببيروت، له العديد من المؤلفات، كتبًا وتراجم ورسائل منها:
محنة المثقف الديني مع العصر.
المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟
كما أنه نشر مئات المقالات في العشرات من المنابر الإعلامية في مختلف عواصم العالم العربي.