أساس التقليد اللغوي لدى الطفل
أساس التقليد اللغوي لدى الطفل
لا يخفى عليك أهمية هذا المبحث لكونه وثيق الصلة بالإجابة عن سؤال كيفية نشأة اللغة، فهناك من يرى أن أساس التقليد اللغوي لدى الطفل هو ميل فطري، تتبعه مرحلة من التعلم والتطور حتى يصل إلى القدرة على التعبير عن المعاني.
ويرى البعض الآخر أن عملية التقليد اللغوي هي عملية آلية مجردة عن الإرادة، تتم عن طريق روابط طبيعية بين أعضاء السمع وأعضاء النطق، وهذا الرأي غير صحيح لأن الطفل لا يردِّد الأصوات كالببغاء بل يستطيع فهم معناها، وتَأخُذ عملية التعلم لديه عدة مراحل تبدأ بلفظ الكلمات الخاطئة ثم يتبعها تطور وقدرة على التعبير الصحيح، وعملية التجربة والخطأ دليل على وجود إرادة وفهم.
ومن الظواهر التي تحدث للطفل وتدلُّ على صحة بعض الأقوال التي ذكرناها أثناء حديثنا عن نشأة اللغة لدى الإنسان، كون الطفل يبدأ في التعبير عن المعاني الجزئية في البداية التي تعبر عن أشياء حسية، ثم يرتقي عقب ذلك للتعبير عن المعاني الكلية، وهو ما ذهب إليه البعض حول كيفية نشأة اللغة.
وكون الطفل يغلب على لغته في البداية عدم تصرُّف الكلمات التي يستخدمها، وهو دليل لمن ذهب إلى أن اللغات بدأت في صورة جامدة ثم تطوَّرت وارتقت، وفي غلبة التعبير الانفعالي على الطفل في مراحله الأولى، دليل لمن قال إن أول الأصوات التي تحدث بها الإنسان هي أصوات الصراخ ثم ارتقى وتطور بعد ذلك للحديث باللغة، وفي استخدام الطفل للإشارات اليدوية والجسمية للتعبير عن المعاني بجانب الأصوات، دليل لمن زعم أن الإنسان في بدايته استخدم لغة الإشارات ليكمل نقص قدرته في التعبير عن المعاني.
الفكرة من كتاب نشأة اللغة عند الإنسان والطفل
إن اللغة هي أهم ما يميِّز الإنسان عن غيره من الكائنات، بها يتعلَّم وبها ينشأ التواصل بينه وبين غيره من البشر.
واللغة لا تقتصر على كونها مجرد أصوات أو كلمات يتحدث بها الإنسان، بل تحمل في داخلها دلالات ومعاني، وهذه المعاني هي الخاصية التي تميِّزها عن غيرها من الأصوات.
فكيف نشأت هذه اللغة؟ وما المراحل التي مرَّت بها؟ وهل يرجع أصل اللغات إلى لغة واحدة، أم أن هناك عدة فصائل ترجع إليها جميع اللغات؟
ولمَّا كان الطفل هو الصورة الأولية التي ينشأ عليها الإنسان، كانت دراسة ما يمر به من مراحل ليستطيع التحدث بلغة مكتملة الأركان، مثالًا عمليًّا وتطبيقيًّا حول كيفية نشأة اللغة لدى الإنسان والمراحل التي مرَّت بها هذه اللغة.
في الجزء الأول من كتابنا يتحدث الكاتب عن نشأة اللغة عند الإنسان، وفي الجزء الثاني يتحدَّث فيه عن نشأة اللغة لدى الطفل.
مؤلف كتاب نشأة اللغة عند الإنسان والطفل
علي عبد الواحد وافي: من روَّاد علم الاجتماع في العالم العربي، تخرَّج في كلية دار العلوم، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم الاجتماع في باريس.
قام بالتدريس في العديد من الجامعات وتقلَّد العديد من المناصب، بذل جهدًا كبيرًا في تحقيق مقدمة ابن خلدون، وأثنى على جودة تحقيقه الكثير.
من مؤلفاته: “علم اللغة”، و”فقه اللغة”، و”لسان العرب: اللغة والمجتمع”.