المَسلَك

المَسلَك
إن التفاؤل الذي قد يسلكه بعض المسلمين بأملهم في قيام حربٍ عالميّة لا مثيل لها في اتساعها، وإحداث الدمار الشامل الذي هو نِتَاج التطور العلمي، ثم بعدها يتراجع الغرب عن الاحتكام إلى المادة ويبدؤون بالبحث عن الحقائق الروحية، والاحتكام إليها، إن هذا التفاؤل خطير جدًّا على الإسلام لكونِهِ سهل المسلَك، ومُقعدًا عن السعي في إعادة الثقافة الإسلاميّة لسابق عهدها، فلا بذل فيه، بل ويُعين بشكلٍ خفي على استمرار حالة السبات الكَائِنة، وبينما يزداد النفوذ الغربي، يقل النفوذ الإسلامي بل ويُزلزله من الداخل، وما دام المسلمون مصرّين على النظر إلى المدنيّة الغربية بعين الانبهار، وأنها بابُ الخلاص إلى النماء والازدهار الإسلاميّ، فإنهم يُدخِلون الضعف إلى الجسد الإسلاميّ بأيديهم، ويؤيدون القائل بأن الوصول إلى الحضارة عن طريق الإسلام إنما هو جهدٌ ضائع

وقد أثّر “التنويريّون” في سحب المسلمين بشكلٍ سريع في هذا الاتجاه الفكريّ من هيمنةٍ للحضارة الغربيّة على الحضارة الإسلاميّة، والوصول إلى المدنيّة عبرها، وقد تأثرت بيوت المسلمين بالثقافة الغربية بشكلٍ ملحوظ، حتى وصل الكثير منهم إلى الإعراض عن التشريع الإسلاميّ، وبل وبلغ ببعضهم الحال إلى الإنكار الكامل، والعداء الدينيّ، وعلى الرغم من حثّ الإسلام على التفكّر والتأمّل، وتاريخ المسلمين الحافل بالبحث والتقدم العلميّ، فإن السبب الرئيس في تراجع المسلمين يرجع إلى تهاونهم في تطبيق الشريعة الإسلاميّة
وليس في نقصان التعاليم، أو وقوف الإسلام حاجزًا أمام التقدم العلميّ، فالمعرفة بذاتها لا شرقيّة ولا غربيّة، لكن تكمن المشكلة في “فلسفة العلوم” التي هي راجعة بالتبعية إلى الأهواء والأمزجة، والموقف الحدسي من الحياة، لا الحقائق المُشاهَدَة، وإن الشيء الوحيد الذي يمكن للمسلمين الاستفادة منه في الغرب ليس الثقافة، ولا الفلسفة الخاصة بهم، وإنما العلوم التجريبيّة، والطبيعيّة، والرياضيّة، وإن هذه الاستفادة تتطلب من المسلم معرفة أنّ التفوّق لا يكون بالمادة وإنما يكون بالأخلاق والرقيّ المجتمعي، والتوافق مع الحياة، وفي هذا الجانب تحديدًا، سما الإسلام عن كل حضارة أخرى.
الفكرة من كتاب الإسلام على مفترق الطرق
لقد تراجع المسلمون عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة، وقابل ذلك الانبهار الحضاري بالغرب وتقدّمه، ومنبعُ ذلك التفريط في التمسّك بالسنة النبويّة، التي هي تطبيقٌ عمليّ للقرآن الكريم على أيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابهِ (رِضوان الله عليهم)، وقد تطرق الكاتب في هذا الكتاب إلى أصل المشكلة ومنشأ العداء بين الشرق والغرب، وكيف يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مجدهم، وماذا يمكنهم أن يستفيدوا من الغرب فيه، وما يجب عليهم تجنّبه في تقليدهم والسعي إلى النهوض مرة أخرى على خُطاهم.
مؤلف كتاب الإسلام على مفترق الطرق
محمد أسد: ليوبولد فايس (كما كان يُدعى قبل إسلامِه) وُلد في النمسا عام ١٩٠٠م، من أسرة يهوديّة، درس الفلسفة في جامعة فيينا بالنمسا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد إسلامه عام ١٩٢٦م استقر به الحال في باكستان، عمل مترجمًا، ومفكرًا، ورحّالة، ومصلحًا اجتماعيًّا، وبعد حصوله على الجنسية الباكستانية نظيرًا لجهوده في دعم إقامة دولة إسلاميّة في الهند، تم تعيينه مديرًا لدائرة إعادة الإعمار، ومن ثم تم تعيينه مبعوثًا إلى الأمم المتحدة بنيويورك إلّا أنه استقال من فوره ليتفرغ إلى كتابة سيرته الذاتية، توفي عام ١٩٩٢ بغرناطة في إسبانيا، وله العديد من المؤلفات والتراجم منها: الطريق إلى الإسلام، ومنهاج الإسلام في الحكم، وفي التراجم: صحيح البُخاري، ورسالة القرآن.
معلومات عن المترجم:
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم.