تاريخٌ حافلٌ بالعدَاء
تاريخٌ حافلٌ بالعدَاء
لقد امتلأ التاريخ الروماني واليوناني بالعداء الصريح للإسلام، ولسببٍ غير مفهوم منطقيًّا، فهُم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم “متمدينون” وما سواهم إنما هم مجموعة من “البرابرة” وبخاصّة ساكِني شرق البحر المتوسط، وعلى الرغم من احتقارهم لكلّ ما ليس أوروبيًّا، فإن عداءهم للإسلام كان مخصصًا، ففي نقدهم للهندوسية على سبيل المثال أو البوذية تكون لديهم مبررات عقلية، ولها جانب من الصواب، لكن عندما يتعلق الأمر بالإسلام يكون الحكم عاطفيًّا بشكلٍ بحت، حتى إن المستشرقين قد دخلوا في هذا المُعترك العاطفيّ الوجهة رغم بحثهم العقليّ في الدين الإسلامي،
ويضعونه في أغلب الأحيان موضعَ المُتّهم، وكانت بينهما حروب سجال، بدأت بالفتوح الإسلاميّة ثم تتالت بالحروب الصليبيّة التي كانت في مرحلة الطفولة بالنسبة إلى أوروبا، مما رسّخ لديهم هذا العداء. لقد اختلفت الفتوحات الإسلامية كثيرًا عن الحروب الصليبيّة، فقد كان الجانب الإسلاميّ دائم الدعوة إلى التسامح والكرم، ذا حدود في الحرب، فلا يُعتدى على طفل أو شيخ أو امرأة، غير أن الحروب الصليبية كانت غاية في التخريب والاعتداء، مما أنبت بذورًا سامة لعداوة طويلة الأمد بين الشرق والغرب،
ولم يكن أثر هذا الخراب في العُمران والنفوس فقط، وإنما امتد إلى التأثير الثقافي، وقد كان هذا هو الهدف الأول قبل كل شيء، لكن على الجانب الآخر كان أثر هذه الحروب في أوروبا ذا طابعٍ نفعيّ إيجابيّ، فقد استفادت كثيرًا من الثقافة الإسلامية، وتقدم المسلمين في الجانب العلميّ والعمليّ، مما أسس اللبنة الأساسية في عصر النهضة، لكنّهم أبدًا لم يعترفوا بفضل المشرق على المغرب في نهضتهم، ومع مرور الزمن تناقص الشعور الدينيّ لكن العداء للإسلام استمر، وفي المقابل حين خَسر المسلمون جزءًا كبيرًا من ثقافتهم الدينيّة أصبح من الطبيعيّ للغرب أن ينقص عداؤه للإسلام.
الفكرة من كتاب الإسلام على مفترق الطرق
لقد تراجع المسلمون عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة، وقابل ذلك الانبهار الحضاري بالغرب وتقدّمه، ومنبعُ ذلك التفريط في التمسّك بالسنة النبويّة، التي هي تطبيقٌ عمليّ للقرآن الكريم على أيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابهِ (رِضوان الله عليهم)، وقد تطرق الكاتب في هذا الكتاب إلى أصل المشكلة ومنشأ العداء بين الشرق والغرب، وكيف يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مجدهم، وماذا يمكنهم أن يستفيدوا من الغرب فيه، وما يجب عليهم تجنّبه في تقليدهم والسعي إلى النهوض مرة أخرى على خُطاهم.
مؤلف كتاب الإسلام على مفترق الطرق
محمد أسد: ليوبولد فايس (كما كان يُدعى قبل إسلامِه) وُلد في النمسا عام ١٩٠٠م، من أسرة يهوديّة، درس الفلسفة في جامعة فيينا بالنمسا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد إسلامه عام ١٩٢٦م استقر به الحال في باكستان، عمل مترجمًا، ومفكرًا، ورحّالة، ومصلحًا اجتماعيًّا، وبعد حصوله على الجنسية الباكستانية نظيرًا لجهوده في دعم إقامة دولة إسلاميّة في الهند، تم تعيينه مديرًا لدائرة إعادة الإعمار، ومن ثم تم تعيينه مبعوثًا إلى الأمم المتحدة بنيويورك إلّا أنه استقال من فوره ليتفرغ إلى كتابة سيرته الذاتية، توفي عام ١٩٩٢ بغرناطة في إسبانيا، وله العديد من المؤلفات والتراجم منها: الطريق إلى الإسلام، ومنهاج الإسلام في الحكم، وفي التراجم: صحيح البُخاري، ورسالة القرآن.
معلومات عن المترجم:
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم.