دينٌ ودُوَل
دينٌ ودُوَل
إن عقل الإنسان عاجزٌ عن كشف الغيبيّات، وما وراء الطبيعة، ولا يستطيعُ فهم الحياة بشكلٍ كُلّي إلّا من خلال قوة أعلى وأقوى، لها سلطة على هذا الكون، هذا السبيل يسمى بالاتجاه الدينيّ، أما اتجاه العلوم الطبيعيّة فيحيد عن محاولة النظر إلى شموليّة الحياة، وما فوق الإدراك البشريّ، ولقد فُتِّحت أعيننا على عصرٍ متطور بشكلٍ سريع ومستمر لا مسافات فيه أو حُدود، وأثر هذا بشكلٍ عميق في الحركة الاجتماعيّة، والاقتصاديّة على وجه الخصوص، هذهِ الحركة أو الفلسفة الاقتصادية تفرض فكرة النفع التبادلي، فلا يمكن أن تكون إحدى الدول في مقام المُعطي فقط، أو الآخذ فقط، وهنا تبدأ مرحلة التبادل الثقافي، في هذهِ النقطة تحديدًا يرى الكاتب بداية المُشكلة، فالإسلام دينٌ شاملٌ لجميع نواحي الحياة، ليس دينًا صوفيًا يُعنَى بالروح لا بالمادة، ويجمع بين النصح للطريق القويم ويُضيف على ذلك الطريقة العمليّة للاستقامة في الدنيا دون الحاجة إلى الانعزال وتجنّب الحياة، فالمُسلم ليس مُجبرًا على نبذِ الدنيا بل يعيش بشكلٍ متسق ومتجانس في قلبٍ مؤمن وجوارح عاملة طائعة.
ويرى الكاتب أن هذا المُنطلق هو حكمة الله عزّ وجلّ في كيفيّة الصلاة، فهي مزيجٌ جميلٌ متناغم من خشوع القلب مع انقيادٍ للجوارح؛ فالإسلام لا يقولُ بكمالِ من يُميت شهواته، بل من يستطيع تحقيق أقصى استفادة دنيويّة في حياته الآخرة، وهذا إقرار من الدين الإسلاميّ بتفاوت البشر، واختلافهم، وأنّ المسلم لا يسعى للرقيّ الفرديّ وإنما يُشرك المسلمين في رحلته، ولا يقتضي للفوز الأخرويّ أن يكون الإنسان في قالبٍ واحد لا يتغيّر، لذا ففي حال حدوث تبادل ثقافيّ يجب مُراجعة ما دخل على الثقافة الإسلاميّة في كيفيّة تماشيها مع تعاليم الدين الإسلاميّ أم لا، وهل يُضيف إلى الثقافة الإسلامية سبيلًا للتقوِّي والتجديد، أم التراجع والاندثار؟ ولا يمكن قبول هذه المُدخلات بشكلٍ مسلّم بِه، واعتماد حياة الأخلاق في الإسلام يقوم على سعي المسلمين لنشرها ونصرتها .
الفكرة من كتاب الإسلام على مفترق الطرق
لقد تراجع المسلمون عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة، وقابل ذلك الانبهار الحضاري بالغرب وتقدّمه، ومنبعُ ذلك التفريط في التمسّك بالسنة النبويّة، التي هي تطبيقٌ عمليّ للقرآن الكريم على أيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابهِ (رِضوان الله عليهم)، وقد تطرق الكاتب في هذا الكتاب إلى أصل المشكلة ومنشأ العداء بين الشرق والغرب، وكيف يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مجدهم، وماذا يمكنهم أن يستفيدوا من الغرب فيه، وما يجب عليهم تجنّبه في تقليدهم والسعي إلى النهوض مرة أخرى على خُطاهم.
مؤلف كتاب الإسلام على مفترق الطرق
محمد أسد: ليوبولد فايس (كما كان يُدعى قبل إسلامِه) وُلد في النمسا عام ١٩٠٠م، من أسرة يهوديّة، درس الفلسفة في جامعة فيينا بالنمسا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد إسلامه عام ١٩٢٦م استقر به الحال في باكستان، عمل مترجمًا، ومفكرًا، ورحّالة، ومصلحًا اجتماعيًّا، وبعد حصوله على الجنسية الباكستانية نظيرًا لجهوده في دعم إقامة دولة إسلاميّة في الهند، تم تعيينه مديرًا لدائرة إعادة الإعمار، ومن ثم تم تعيينه مبعوثًا إلى الأمم المتحدة بنيويورك إلّا أنه استقال من فوره ليتفرغ إلى كتابة سيرته الذاتية، توفي عام ١٩٩٢ بغرناطة في إسبانيا، وله العديد من المؤلفات والتراجم منها: الطريق إلى الإسلام، ومنهاج الإسلام في الحكم، وفي التراجم: صحيح البُخاري، ورسالة القرآن.
معلومات عن المترجم:
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم.