أوجه الشبه بين الغرب المعاصر ومسيحية القرون الوسطى
أوجه الشبه بين الغرب المعاصر ومسيحية القرون الوسطى
كانت معرفة الناس بالدين في العصور الوسطى معرفة وظيفية، إذ كان الناس يفهمون من الدين ما يُلبي متطلباتهم واحتياجاتهم، ومن ثمَّ لم يكن الناس مبالين بأولويات الكنيسة واهتماماتها، وهذا الأمر ينطبق على الناس في المجتمع الغربي المعاصر، إذ يعرف الناس ما يحتاجون إلى معرفته لكي يخدم الدين مصالحهم، وبناءً على ذلك نجد أن الشكوى الشائعة من الكنيسة في كل من الحقبة القروسطية والغرب المعاصر، هي أن غالبية الناس يجهلون مبادئ الإيمان ولا يعرفون العقائد المسيحية معرفة كافية.
وبناء على ما سبق، فإن الدين الرسمي كان يمثِّل اللاهوتَيْن الرسمي والأكاديمي، وفي المقابل كان يوجد دين شعبي غير رسمي يعمل خارج هيمنة الكنيسة، وكان يمثل غالبية الناس ويشكل الأولوية بالنسبة إليهم، وكانت وظيفة هذا الدين الشعبي هي مساعدة الناس في شؤون دنياهم واهتماماتهم اليومية، وأن يعيشوا في سلام ويتمتعوا بمدفن لائق بهم، ومن ثمَّ لم يكن الدين الشعبي مهتمًّا بمعرفة الله أو تفسيرها، لذا كان أقل صرامة بالمقارنة مع الدين الرسمي، إذ اقتصر الهدف منه على أن يحظى المرء بحياة مرضية وآمنة.
وفي المجتمع الغربي المعاصر يحدث مثل ذلك، فالناس يعرفون ما يكفي عن المسيحية بما يخدم مصالحهم دون الحاجة إلى دراسة العقيدة أو اللاهوت المسيحي، كما نجد اجتماعات ضخمة لها أساس ديني، لكنها لا تتفق بالكلية مع تعاليم الكنيسة الرسمية، ومثال على ذلك احتفالات عيد الميلاد، فرجال الدين لا يحظون بشعبية كبيرة إذا تحدوا ما يعرفة الناس عن عيد الميلاد وتعليم المعنى الحقيقي له، وبذلك يدعم الدين الشعبي الطقوس المسيحية دون الحاجة إلى تعاليم مباشرة من الكنيسة، وبناءً على ذلك نجد تشابهًا كبيرًا بين المسيحية في العصور الوسطى والمجتمع الغربي المعاصر، فالناس يجهلون تعاليم ومبادئ وعقائد المسيحية، ولكنهم في الوقت نفسه يعرفون القدر البسيط الذي يُلبي احتياجاتهم واهتماماتهم الخاصة.
إضافة إلى ذلك وجد في الغرب المعاصر كما في العصور الوسطى ما عُرف باسم الدين بالإنابة، وهو قيام الكنيسة بمهام تفيد المجتمع ككل، أي أن يمارس بعض الناس الدين نيابة عن الأغلبية، ومن ثمَّ فإن الذين يدعمون الكنيسة بالإنابة يريدون أن تكون الكنيسة مستمرة وحية، وفي الوقت نفسه لا يريدون أن يكونوا مسؤولين عن المشاركة في هذه المهام التي تقوم بها، وكان ذلك يتم في الحقبة القروسطية من خلال شفاعة القديسين، وتقديم الغفران، وفي الغرب المعاصر يعمل الدين بالإنابة من خلال الحفاظ على الكنيسة جاهزة روحيًّا للقيام بدورها في اللحظات الحاسمة، وتأدية طقوسها المتعلقة بالعبور إلى الجنة.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للعلمانية
يحاول الكاتب إثبات أن العلمانية لا تُمثل نهاية الدين وخصوصًا الدين المسيحي في الغرب، كما أنها لا تُعبِّر عن إلحاد الغرب، لأن العلمانية والأخلاق الليبرالية تعتمدان بشكل واضح على الإرث المسيحي، ومن ثمَّ فإنه يرى أن العلمانية هي صورة متطورة وحديثة من المسيحية، وأنها تعبر عن الأخلاق المسيحية منفصلة عن عقيدتها.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للعلمانية
غرايم سميث : هو أستاذ لاهوت، وباحث في القضايا المتعلقة بدور الدين في المجتمع، كما أنه أحد المؤسسين لمجلة اللاهوت السياسي، ويعمل محررًا فخريًّا لها، من مؤلفاته:
Oxford 1937: The Universal Christian Council of Life and Work.
معلومات عن المترجم:
مصطفى منادي إدريسي: هو باحث مغربي، مهتم بقضايا العلمانية وتاريخها، حاصل على إجازة في الفلسفة عام 2006، كما حصل على شهادة من المدرسة العليا للأساتذة عام 2007، وترجم عدَّة مقالات ودراسات خاصة بالعلمانية والسياسة.