تعليق القانون (الإيوستيتيوم)
تعليق القانون (الإيوستيتيوم)
هناك نظام روماني قديم هو النموذج الأصلي لحالة الطوارئ الحديثة، ويعني أنه في حالة ورود معلومات عن خطرٍ يهدِّد الجمهورية، كاندلاع حرب خارجية أو حرب أهلية أو انتفاضة، كان مجلس الشيوخ (السيناتو)، يصدر المرسوم الأخير الذي يطالب فيه القناصل أو من ينوبون عنهم في روما كالوالي أو الحاكم المؤقت، باتخاذ التدابير الضرورية لحماية الدولة، مما يسوِّغ عادة تعليق القانون أو توقيفه (إعلان الإيوستيتيوم)، ولم يكن ينطوي على تعليق للإدارة القضائية فحسب، بل للقانون برمَّته، مما يجعله خارج التنفيذ، فلا سلطات لأي مواطن روماني أو واجبات عليه.
وتكون السلطة الآمرة المخوَّلة للقنصل بموجب مرسوم السيناتو هي نفسها السلطة المعتادة للقائد العسكري في حالة مواجهة عدو يحاصر روما، أو ضد مواطن متمرد، غير أن هذه السلطة مهما كانت تجلياتها وصورها فهي تتلاشى ذاتيًّا عند زوال الخطر.
ولما لم تكن هناك نظرية استثناء في القانون الروماني، فقد حاول المتخصصون في الشأن الروماني تقريب الأمور فقالوا إن فعل الدولة هذا من صور الحق في الدفاع الشرعي عن النفس، فكما أن من حق المواطن الدفاع عن نفسه، فكذلك من حقه الدفاع عن الدولة إذا توقف المسؤول عن الدفاع عنها، ومن باب أولى من حق الدولة الدفاع عن نفسها، ولكن هذا الطرح خطأ.
لقد ترك فعل الاستثناء الدولة في حالة فراغ، يعطي حرية واسعة للأشخاص يتصرفون بها وفق ما يرونه كفيلًا بحفظ أمن الإمبراطورية، بغض النظر عن شرعية هذا التصرف، من عدمها، وبهذا لا يكون الشخص مطبقًا للقانون، ولا مخالفًا له، بل لا ينفذه بالأساس، وتكون أفعاله هذه خارجة ومنفصلة تمامًا عن التحديد القانوني، ما يجعل أفعاله محض وقائع، يتوقف تقييمها بعد زوال هذه الحالة الطارئة على الظروف التي نُفِّذَت فيها.
الفكرة من كتاب حالة الاستثناء
يستمد القانون قوَّته من كونه إلزاميًّا، وليس ممكنًا الحياد عنه، غير أن الضرورة أحيانًا قد تدفع للخروج عليه، وبخاصةٍ حين يكون الوضع استثنائيًّا، إلا أن الدول استعملت هذه الحالة الاستثنائية كقاعدة، لا سيما أنها توفر لها مزايا ليست في الوضع الطبيعي متذرِّعة بالتهديدات والاعتداءات لفرض هذه الحالة الاستثنائية، ومستعملة إياها كفزاعة لاستمالة الشعوب للرضا بها، بل وطلبها في بعض الأحيان.
ففهم حالة الاستثناء مدخل لفهم طريقة الحكم في البلاد العربية التي تستخدم قانون الطوارئ لتكبيل شعوبها، أو تعليق اللوائح والقوانين، أو وضع تعديلات لتناسب الفئة المتحكمة، أو إصدار قانون جديد مع تعليقه، في غياب القواعد العادلة، والسلطة التشريعية التي تصدر القوانين وتراقب إصدار السلطة التنفيذية لها.
كل هذا وأكثر يدفعك إلى التعرف على حالة الاستثناء، وسماتها وتجلياتها ومعايير تحديدها، وكيف نشأت وكيف تطبق، وما حدود سيادة القانون، وما طبيعة هذه السيادة؟
مؤلف كتاب حالة الاستثناء
جورجو أغامبين Giorgio Agamben: فيلسوف إيطالي، يعدُّ أحد رواد الفلسفة الإيطالية، والنظرية السياسية الراديكالية، ولد في روما عام 1942، وأكمل دراساته في القانون والفلسفة بأطروحة دكتوراه في الفكر السياسي لسيمون ويل، مما يكشف ابتعاده عن الدراسات القانونية التقنية البحتة، وتحوُّله الواضح نحو الاهتمام بمسائل فلسفية.
درِّس في العديد من الجامعات الإيطالية، وعمل أستاذًا زائرًا في كثير من جامعات الولايات المتحدة، أشرف على ترجمة الأعمال الكاملة للفيلسوف الألماني فالتر بنيامين، ومن أهم أعماله:
رجل بلا المحتوى.
رباعية الإنسان الحرام.
اللغة والموت: مكان السلبية.
وسائل بلا نهاية: ملاحظات على السياسة.