الطفولة بين الصيد والزراعة ثم المجتمعات الكلاسيكية
الطفولة بين الصيد والزراعة ثم المجتمعات الكلاسيكية
عاشت البشرية فترة من عمرها تعتمد على الصيد لتلبية احتياجاتها الغذائية، صحيح أن المعلومات المتوافرة حول هذه الحقبة غير دقيقة ومتفرقة، إلا أن الكاتب حاول جمع أبرز سمات تلك الفترة، التي كان لها تأثير في تعريف الطفولة، من هذه السمات أن تلك الفترة العصيبة، التي تطلبت حركة وتنقلًا كثيرًا من الأسر، شكلت عبئًا على أفراد الأسرة فنزعت إلى تقليل الولادات بسبل شتى، وعلى الرغم من أنه كان للأطفال دور مع أمهاتهم عند سن المراهقة في جمع الغذاء، فإنهم في سن ما قبل المراهقة كان احتياجهم للغذاء أكبر، ومن ثم يشكلون عبئًا أكبر على الأسرة، وهذا يفسر نمو تلك المجتمعات بشكل بطيء جدًّا، ومن السمات أيضًا وجود فروق بسيطة بين الجنسين خصوصًا من ناحية العمل، فالصبي كان يُعد للصيد منذ طفولته بألعاب معينة، والنساء كن يُجهزن للعمل في جمع الثمار أيضًا مع أهمية كلا العملين للصالح العام.
اختلف الأمر قليلًا في المجتمعات الزراعية التي استمر جزء منها إلى اليوم، كان أبرز تغيير حصل في هذه المجتمعات هو إعادة النظر إلى عمل الأطفال ومدى جدوى تقديمهم المساعدة لأسرهم، تبعت ذلك إعادة النظر في أمر المواليد والإنجاب، فمن ٤ أو ٣ مواليد في عصر الصيد إلى ٦ و٧ مواليد في عصور الزراعة، لحاجة الأسرة إلى من يعمل في المزارع والحقول ويرث موارد الأسرة، ومن هنا ظهرت الملكية أيضًا، نتيجة لذلك كبر المجتمع وكبرت معه الأسرة ونشأ ما يُسمى بالأسر الممتدة وتلاقي الأجيال بين الحفدة والأجداد واشتراك الأسرة كلها في التنشئة والتربية، نعم كانت المجتمعات تتمتع بقدر من العنصرية نتيجة للتفاوت بين طبقات المجتمع، ظهر ذلك في نوعية الغذاء مثلًا، وأما التفاوت الجنسي فقد ازدادت أعباء الداخل (المنزل) على الأنثى، نتيجة لزيادة الولادات وفي المقابل ازدادت أعباء الخارج على الذكر ومعها عظُمت عقوباته تجاه أخطائه أيضًا!
ننتقل هنا إلى نمو أكبر وازدهار للحضارة، وإدخال الكتابة خصوصًا في الأوساط الحضارية الكلاسيكية الكبرى، كالصين والهند والبحر المتوسط، كل من هذه الحضارات صنعت لنفسها ثقافة وسمة في كل الجوانب الحياتية ومنها الطفولة، ففي ظل ذلك التطور الحضاري وسن القوانين صارت للطفولة تعريفات أخرى أكثر قانونية وانضباطًا، ومهام أكثر تحديدًا وبعدًا عن العمل خصوصًا في سن الطفولة المبكرة، ومع ظهور الكتابة أصبح التعليم متاحًا لكن لطبقة معينة من الناس هي الطبقة العليا. في الصين مثلًا نجد أن العديد من المؤسسات الدينية والسياسية والفلسفية بدأت تعمل على تشكيل سمات الطفولة بحيث تتوافق مع سمات المجتمع، وكذلك فعلت الهندوسية والحضارات الأخرى.
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.