تمدد سلطات الحكومة
تمدد سلطات الحكومة
في القطاع التشريعي، وفي سن القوانين، تتميَّز أحيانًا حالة الاستثناء بتمديد سلطات الحكومة، وهو مشتق من مفهوم “السلطة المطلقة” الذي يؤدي إلى جعل الدولة في حالة (فراغ قانوني) في أثناء تطبيق حالة الاستثناء، هذا التمدد يعرف بـ”السلطات الكاملة” التي تعدُّ قوانين تمنح الحكومة سلطات تنظيمية واسعة للغاية، ولا سيما سلطة تعديل القوانين السارية، وإلغاؤها بواسطة مراسيم، وقد توسعت الحكومات في استخدام هذه السلطات، واستخدام سلطاتها التنفيذية، وخصوصًا بعد الحربين العالميتين، نتيجة الحالة الاستثنائية التي صاحبتهما وأعقبتهما.
ومنذ اللحظة التي تحوَّلت فيها حالة الاستثناء إلى قاعدة، تحولت كمنهج للحكم، ثم بدأت في الكشف عن طبيعتها كنموذجٍ مؤسسٍ للنظام القانوني، ولما كانت هذه القوانين من النوع الذي ينبغي إصداره لمواجهة ظروف استثنائية، وتعطي الحكومة سلطة التشريع التي ينبغي أن تكون اختصاصًا حصريًّا للبرلمان، وتتعارض مع مبدأ الترتيب في التسلسل الهرمي لسن القوانين، فهناك دستور ثم قانون ثم لائحة، وهذا مبدأ يعد سمة أساسية في الدساتير الديمقراطية، ما كان له آثار خطيرة في القضاء على الديمقراطية، كما أن دور البرلمان أصبح منحصرًا في التصديق على التدابير الصادرة من الحكومة، عبر مراسيم لها قوة القوانين.
وتعدُّ فترة الحرب العالمية الأولى والسنوات اللاحقة لها هي التي جُرِّبت فيها الآليات والمنظومات القانونية لحالة الاستثناء كنموذج للحكم، وإحدى السمات الأساسية لحالة الاستثناء هي الإلغاء المؤقت للتمييز بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي كشفت عن نزوع حالة الاستثناء لتتحوَّل إلى الأسلوب الدائم للحكم، حتى في وقت السلم، ففي ألمانيا اُستغلت هذه الحالة لإصدار مراسيم الضرورة في أكثر من مائتين وخمسين مناسبة، واستغلت الحكومة هذه المراسيم في اعتقال آلاف النشطاء، وإنشاء محاكم خاصة لها حق إصدار الإعدام، وبهذا لا تعد الجمهورية برلمانية بل حكومية، ويقتصر دور البرلمان على إقرار مراسيم الحكومة.
الفكرة من كتاب حالة الاستثناء
يستمد القانون قوَّته من كونه إلزاميًّا، وليس ممكنًا الحياد عنه، غير أن الضرورة أحيانًا قد تدفع للخروج عليه، وبخاصةٍ حين يكون الوضع استثنائيًّا، إلا أن الدول استعملت هذه الحالة الاستثنائية كقاعدة، لا سيما أنها توفر لها مزايا ليست في الوضع الطبيعي متذرِّعة بالتهديدات والاعتداءات لفرض هذه الحالة الاستثنائية، ومستعملة إياها كفزاعة لاستمالة الشعوب للرضا بها، بل وطلبها في بعض الأحيان.
ففهم حالة الاستثناء مدخل لفهم طريقة الحكم في البلاد العربية التي تستخدم قانون الطوارئ لتكبيل شعوبها، أو تعليق اللوائح والقوانين، أو وضع تعديلات لتناسب الفئة المتحكمة، أو إصدار قانون جديد مع تعليقه، في غياب القواعد العادلة، والسلطة التشريعية التي تصدر القوانين وتراقب إصدار السلطة التنفيذية لها.
كل هذا وأكثر يدفعك إلى التعرف على حالة الاستثناء، وسماتها وتجلياتها ومعايير تحديدها، وكيف نشأت وكيف تطبق، وما حدود سيادة القانون، وما طبيعة هذه السيادة؟
مؤلف كتاب حالة الاستثناء
جورجو أغامبين Giorgio Agamben: فيلسوف إيطالي، يعدُّ أحد رواد الفلسفة الإيطالية، والنظرية السياسية الراديكالية، ولد في روما عام 1942، وأكمل دراساته في القانون والفلسفة بأطروحة دكتوراه في الفكر السياسي لسيمون ويل، مما يكشف ابتعاده عن الدراسات القانونية التقنية البحتة، وتحوُّله الواضح نحو الاهتمام بمسائل فلسفية.
درِّس في العديد من الجامعات الإيطالية، وعمل أستاذًا زائرًا في كثير من جامعات الولايات المتحدة، أشرف على ترجمة الأعمال الكاملة للفيلسوف الألماني فالتر بنيامين، ومن أهم أعماله:
رجل بلا المحتوى.
رباعية الإنسان الحرام.
اللغة والموت: مكان السلبية.
وسائل بلا نهاية: ملاحظات على السياسة.