القراءة الآنية
القراءة الآنية
تلقَّى الدكتور أوليفر رسالة من عازفة بيانو تُدعى ليليان تشكو من عدم قدرتها على قراءة الكلمات أو النوتات الموسيقية، وتطلب منه المساعدة، فحدَّد معها موعدًا، وجاءت ليليان وحكت له أنها في إحدى الحفلات أمسكت بالمدونة الموسيقية، ووجدتها بلا معنى، لكنها عزفت وقتها اعتمادًا على ذاكرتها الموسيقية، لكن سرعان ما ظهرت نفس المشكلة عند قراءة الكلمات.
تُسمَّى هذه الحالة بحالة تعذُّر القراءة، وهي تحدث إما بعد إصابة دماغية مفاجئة أو تدريجيًّا بسبب مرض تنكُّسي كألزهايمر، لكن حالة ليليان كانت الأولى التي يحدث معها تعذُّر القراءة مع الموسيقى أولًا، ثم بدأت تعاني من مشاكل بصرية أخرى كعدم رؤية الأشياء أو تمييز الأشخاص، وخضعت ليليان عند بدء الأعراض لفحص طبي أظهر ضمورًا في القشرة البصرية في الجانب الأيسر من الدماغ، وأبلغها أطباؤها أنه لا يوجد علاج جذري لهذه الحالة.
بعدها بسنوات فحصها أوليفر ووجد أنها تعاني عمهًا بصريًّا جعلها غير قادرة على التعرف على الصور، فكانت ترى السمات الفردية لشيء ما لكن لا تستطيع التعرف عليه كوحدة كاملة، وعندما خضعت لتصوير جديد بالرنين المغناطيسي أظهر وجود انكماش في المناطق البصرية على جانبي الدماغ، وأوضح هذا أنها مُصابة بضمور قشري خلفي جعلها تحتفظ ببعض جوانب الإدراك البصري مثل حدة البصر والقدرة على إدراك الحركة والألوان، مع الإصابة باضطرابات معقدة مثل صعوبات القراءة والتعرف على الوجوه.
ما يثير الاهتمام في حالة ليليان هو ازدياد قوة ذاكرتها الموسيقية التي أصبحت أكثر تماسكًا وأكثر قدرة على حفظ الألحان المعقدة، وأصبحت تلك القدرات أساسية بالنسبة إليها لدرجة أنها هي التي ساعدتها على المُضي بعد إصابتها، لكن بعد سنتين ازدادت حالتها سوءًا وأصبحت غير قادرة على تمييز أشيائها أو العثور على الكلمات الصحيحة، وخفتت رغبتها في العزف، وإن ظلَّت محتفظة بذاكرتها الموسيقية.
الفكرة من كتاب عين العقل
يسرد طبيب الأعصاب أوليفر ساكس عددًا من الحالات الطبية المثيرة للاهتمام التي مرَّت عليه، ويشتركون جميعًا في الإصابة بأمراض عصبية مختلفة أثَّرت في قدرتهم على رؤية وإدراك العالم من حولهم، ويسلِّط الطبيب الضوء على كيفية تكيُّف كل شخص مع حالته ودور العقل البشري في إيجاد طرق مبتكرة ليساعد صاحبه على التعامل مع عالمه المتغير.
مؤلف كتاب عين العقل
أوليفر ساكس: طبيب أعصاب بريطاني، وكاتب، قضى حياته المهنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وحاز رتبة القائد في رتب الإمبراطورية البريطانية، وكان عضوًا في جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
من أعماله: “الرجل الذي حسب زوجته قبعة”، و”أريد ساقًا أقف عليها”.
معلومات عن المترجمة:
ياسمين العربي: مُترجمة تخرجت في كلية الدراسات الإنسانية، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها والترجمة الفورية، بجامعة الأزهر، عام ٢٠٠٩، وتعمل حاليًّا في مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول.
من ترجماته: “هدنة لالتقاط الأنفاس”، و”قانون رجال العدالة الأربعة”.