اللغة
وسيلة التواصل الأولى بين الناس هي الكلام، والكلام يتطلَّب لغة، واللغة هي الوسيلة الأساسية الفعَّالة المستخدمة في الحياة اليومية من أجل التعامل والتواصل مع الآخرين، وفاعلية التواصل والتعامل تتوقَّف على سلامة اللغة المستخدمة.
وفي تعريف اللغة يقول اللغوي الشهير “ابن جني” إن: “حد اللغة أصوات يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم”، أي إنها أصوات يفتعلها البشر وتُدركها الأذن، وتنقسم إلى نوعين: لغة غير لفظية، ولغة لفظية، فاللغة غير اللفظية هدفها التفاهم بين الناس بشكل متفق بينهم وعام، وتتنوَّع إلى الإشارة: باليدين، أو الوجه، أو الرأس، أو أعضاء الجسم، ولغة الحركة والأفعال، أي توصِّل إلى الآخرين معاني محدَّدة، ولغة الأشياء حيث الأشياء من حول الإنسان تترك فيه أثرًا أو مفهومًا معيَّنًا مثل الألوان والصور والأضواء وغيرها.
أما اللغة اللفظية فهدفها التفاهم بين الناس، ومادتها الأصوات والكلمات والمعاني والجمل، ودلالة على النمو العقلي، ووسيلة للتفكير والتذكُّر، وتبعًا لذلك أشار بعض العلماء أن اللغة والتفكير شيء واحد، وأشار غيرهم أنهما غير مرتبطين، حيث ينبعان من أصول مختلفة، وأشار آخرون إلى أنهما مرتبطان معًا بشكل كبير، لأن اللغة أداة تعبير عن التفكير، وفي النهاية فالسائد عندنا أن اللغة والتفكير بينهما علاقة تبادلية متفاعلة، لأن الإنسان لا يتكلم إلا فيما يُفكِّر، لذا لن يُفكِّر دون لغة.
حتى إن الطفل في بداية حياته يسعى لفهم لغة من حوله ويحاول التواصل معهم، والأهل يحاولون تدريبه على النطق الصحيح للكلمات ثم الجمل، وقد تنجح عملية التدريب هذه أو تفشل لعدة أسباب بعضها مرضي، فقد يُصاب الطفل بأمراض الكلام، مثل: اللجلجة والتهتهة وغيرهما.
وأولى مراحل النمو اللغوي تبدأ بالصراخ ثم المناغاة العشوائية ثم المنتظمة ثم التقليد والنطق حتى يبدأ تكوين قاموس لغوي عند الطفل تدريجيًّا فترتقي لغته، ثم يكوِّن جملة مركبة متناغمة ثم يبدأ التعبير عن نفسه بتلقائية وطلاقة، وحينها يستطيع فهم اللغة واختيار المفردات وتركيب الجُمل، وكل هذه مراحل متتابعة يكمل بعضها بعضًا.
الفكرة من كتاب لُغَةُ الطفلِ
يُحفَظ كيان وشخصية الأمة بين الأمم إذا حُفِظت هويتها، والهوية تتمثَّل في شيء أساسي هو اللغة، والعربي المسلم له هوية وعقيدة في لغته العربية لأنها اللغة التي أُنزل بها القرآن الكريم كمعجزة بين العرب على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ما زاده اعتزازًا بها وزاد اللغة العربية شرفًا، وأعلاها الله (عز وجل) بين الأمم حين مدحها في كتابه الشريف (عز وجل) وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
فالمجتمع العربي المسلم يحمل هَمًّا ومسؤولية تجاه لغته، لكنه أهمل هذه المسؤولية حين ابتدع الناس لهجات عامية خاطئة فتأثرت اللغة العربية، حتى إنهم يُدرِّسُون بالعامية في المدارس ويتحدثون بها في الندوات والمحاضرات وعلى شاشة التلفاز، بل هناك دول طَمستْ لغتها تمامًا واستبدلتها بلغة مشوهة تحمل من اللغة العامية واللغات الأجنبية، ما جعل صغارهم لا يتعرفون على لغتهم الأصلية، فالطفل يولد على فطرته يرى ما يفعله مجتمعه وأهله ويقلِّدهم، وهذا يضع على كاهل الأسرة مسؤولية تعليمه لغته الأم، حتى لا تتشوَّه لغته.
في كتابنا هذا يعرض الكاتب مراحل تعليم الطفل اللغة وتأثيرها فيه، وتأثير البيئة فيه، وكيف ينمو لغويًّا.
مؤلف كتاب لُغَةُ الطفلِ
شاكر عبد العظيم: أستاذ المناهج وطُرق التدريس بجامعة حلوان.