المناعة والفيروسات في مواجهة مستمرة
المناعة والفيروسات في مواجهة مستمرة
تخوض الفيروسات سباقًا مع الزمن في تطوير صفاتها وقدراتها حتى لا تفنى من على ظهر الكوكب، فكل العوائل من حيوانات ونباتات دائمًا ما تطوِّر خلايا مناعتها سُبلًا لمحاربة العدوى، بل وعدم الإصابة بها مجددًا، وبالتالي كان لِزامًا على الفيروسات أن تمتلك قدرة كبيرة على التكيف تجعلها قادرة على البقاء، فالمعدل السريع للتكاثر والعدد الهائل من النسل أهم السِمات المميزة لعملية التطور تلك حتى تواجه الظروف المتغيرة حولها وضدها.
وتملك جميع الكائنات الحية وسائل دفاعية متطوِّرة ضد الفيروسات تبلغ أقصى تعقيد لها في جسم الإنسان، ومن أهم الوسائل هي الـRNA المتداخل، ويتمثَّل في جزيئات صغيرة توجد داخل خلايا معظم الكائنات ومن ضمنها الإنسان، تعمل عندما يصيب الفيروس إحدى الخلايا فيتحد الـRNA المتداخل بالمادة الوراثية الفيروسية فيمنع ترجمتها إلى بروتينات ومن ثم تكاثرها، ومن ثَم تجهض العدوى قبل أن يتم تجميع مكونات فيروسات جديدة.
كذلك على مستوى الجينات هناك مقاومة مناعية قد تمنع العدوى من الأساس، فعلى سبيل المثال: هناك جين “CCR5” يرتبط اسمه بالمقاومة المناعية حيث يحمل شفرة بروتين ضروري من أجل حدوث العدوى بفيروس نقص المناعة البشري (الإيدز)، وبالتالي وُجد أن ١٠٪ من القوقازيين حدث لهم حذف لذلك الجين، مما أدى إلى مقاومتهم للإصابة بهذا الفيروس، لكن كيف حدث هذا الحذف الچيني؟ يظل تساؤلًا غامضًا!
فأي تغيُّر على المستوى الجيني يتطلب حدوث طفرة، والطفرة تحتاج إلى أجيال عدة حتى تظهر ويظهر تأثيرها، لكن جهاز المناعة يتميز بأسلوبين مختلفين؛ الأول غير متخصص سريع الاستجابة بطيء نسبيًّا يحدث عند العدوى الأولى مباشرة، والثاني أسلوب قاتل شديد القوة شديد السرعة يعتمد على الذاكرة المناعية المتكونة ضد العدوى مجددًا بنفس الميكروب الأول.
وبمجرد دخول الميكروب إلى الجسم عن طريق القنوات التنفسية أو المعوية أو التناسلية، يبدأ الجهاز المناعي بالتنبُّه عن طريق إشارات كيميائية تُرسلها إليه الخلايا المصابة أولًا، وتلك الإشارات تسمى (سيتوكينات)، فيبدأ الجهاز المناعي بإرسال نوعين من الخلايا؛ الأول متعددة الأشكال ووالثاني الخلايا الملتهمة الكبيرة، إذ يقومان بالتهام الفيروسات والخلايا المصابة بالفيروس، إضافةً إلى ضخ الكثير من السيتوكينات لجذب المزيد من القوات المناعية المتمثلة في الخلايا الليمفاوية المنتشرة في الجسم كله، فتبدأ بالقضاء على الفيروسات والحصول منها على أجزاء حتى تتذكرها إذا ما هاجمت الجسم مرة أخرى.
الفكرة من كتاب الفيروسات.. مقدمة قصيرة جدًّا
يشهد العالم اليوم حالات تفشٍّ حادة لفيروسات خطيرة على غرار فيروس نقص المناعة البشري وأنفلونزا الخنازير وسارس وحمى لاسا، والأشد فتكًا فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
تشرح دوروثي بدايةً ماهية طبيعة الفيروسات وأساليب حياتها والآثار التي تسبِّبها والأضرار التي تُحدثها في صحة الإنسان، كما توضح سبل مكافحة المناعة وآلية عملها بعامةٍ في أثناء أي هجوم وخصوصًا هجوم الفيروسات، كما تبين كيفية استدامة بعض الفيروسات داخل الجسم طول العمر، وعلاقتها بكثير من الأورام السرطانية ومدى ارتباطها بها.
مؤلف كتاب الفيروسات.. مقدمة قصيرة جدًّا
دوروثي إتش كروفورد Dorothy H. Crawford: أستاذة الميكروبيولوجيا الطبية في جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة، ومدير مساعد لمؤسسة (الفهم العام للطب)، ومن مؤلفاتها:
العدو الخفي.
تاريخ طبيعي للفيروسات.
الرفيق المُهلك: كيف شكلت الميكروبات تاريخنا.