دوام موضوعات السياسة المقارنة
دوام موضوعات السياسة المقارنة
لم يقتصر الأمر على هذه المواضيع، فقد تناولت السياسة المقارنة كذلك الفساد السياسي، وفقدان الشرعية، إذ قيل إن الدولة التي لا تحصل على رضا المواطنين هي دولة فاقدة للشرعية، ورضا المواطنين يكون عن طريق الديمقراطية التي تعني القابلية للمحاسبة، فأي دولة تطبق القانون بالعدالة والمساواة، ويتمتع أفرادها بالقدرة على الوصول إلى العملية السياسية، فهي إذًا دولة ديمقراطية، وبخلاف ذلك، تكون دولة متسلطة فاقدة للشرعية.
وبما أن دور الديمقراطية هو توفير حياة أفضل للمواطنين، وفي محاولة لإدراج القيم في السياسة، كان الحكم على جدية الحكم الديمقراطي من خلال معدل وفيات الرضع، كما أنها سعت إلى مقارنة مستوى المعيشة بمعناه العام، الذي لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بل يتناول كذلك معاني العدالة والمساواة ونوعية الحياة.
كما أنها بحثت في إشكاليات الدولة وعلاقتها مع المجتمع، فقد تعاني الدولة بعض النزاعات مع مجتمعها، الذي يحتوي على بعض الفئات المعادية لها مما يدفعها إلى محاولات الاستقلال عن الدولة أو خلق صراعات فيها، وهو ما يُسمَى بتسييس العرق والدين والهُوية، مما يوجب على الدولة البحث عن حل تلك الصراعات من خلال بناء الثقة والتعاون بين جميع الأعراق والديانات والثقافات المختلفة.
ففي مرحلة ما بعد السلوكية عاد مفهوم الدولة الذي كان غائبًا في الستينيات والسبعينيات، ليظهر من جديد في الثمانينيات بصورة تخالف ما كان عليها من قبل، إذ أصبحت الدولة تهتم بشكل أكبر بعلاقتها بمكوناتها الداخلية سواءً كانوا أساسيين أم فرعيين، فأصبح هناك اهتمام أكبر بمفهوم الدولة القوية والضعيفة وأسباب كل منهما.
كما أن السياسة المقارنة بحثت في علاقة التكيف والقطاع الخاص، فبعد سقوط الاشتراكية وظهور الرأسمالية، تحول التوجه العالمي نحو اقتصاديات السوق الحرة، وربط كل من الرأسمالية والديمقراطية، ليصبح الطريق الوحيد للديمقراطية والرخاء هو تبني اقتصاديات السوق الحرة، مما أدى إلى إضعاف تحكم الدولة، وزيادة التأثير الدولي في الاقتصاديات الوطنية، وزيادة أهمية القطاع الخاص، كما أن السياسة المقارنة وضعت قضايا المرأة والبيئة نصب عينيها، في محاولة لاستيعاب الواقع وتحليل ظواهره كلها.
الفكرة من كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
إن الحديث عن السياسة المقارنة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث عن علم السياسة ذاته، إذ يسعى إلى خلق نهضة في علم السياسة من خلال خلق أطر جديدة لتوسيع حدود علم السياسة، وتعتبر السياسة المقارنة مستودع المفاهيم والنظريات وطرائق البحث ومناهجه، التي تحدد طبيعة علم السياسة ومجاله ونطاق دراسته في أية مرحلة من مراحل تطوره، فهو يدور حول المواضيع ذاتها التي يدور حولها علم السياسة، مثل: من يحكم؟ وعدد الحكام؟ ولمصلحة من يكون الحكم؟
فالفرق بين علم السياسة والسياسة المقارنة، هو أن السياسة تعالج الموضوعات في فروعها المختلفة من زاوية ماهيتها وجوهرها، بينما يتناولها علم السياسة المقارنة من زاوية البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين النظم والكيانات والظواهر السياسية المتباينة، فينبغي تقييم حقل السياسة المقارنة من خلال منهجه، أكثر من موضوعه.
يتناول الكاتب دراسة التطور في حقل علم السياسة المقارنة، فنبدأ بتقديم رؤية كلية لحالة العلم، ومن ثم دراسة المحددات المعرفية والواقعية النابعة من الظاهرة السياسية ذاتها، لأن أي تغيير يطرأ على الظاهرة السياسية يؤثر في تطور حقل السياسة المقارنة، ومن ثم سنتناول الاتجاهات المعاصرة لحقل السياسة المُقارنة، سواءً على مستوى البنية المنهجية، أو البنية الموضوعية.
مؤلف كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
نصر محمد عارف: تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ١٩٩٥م بمرتبة الشرف، عُيّن معيدًا بجامعة القاهرة إلى أن وصل إلى رتبة أستاذ مشارك، كما أنه أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، وله عديد من المؤلفات، ومنها:
التنمية من منظور متجدد التميز، العولمة، وما بعد الحداثة.
الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية.
أزمة الأحزاب السياسية في مصر: دراسة في إشكاليات الوجود والشرعية والوظيفة.