الاتجاهات المعاصرة في البنية المنهجية
الاتجاهات المعاصرة في البنية المنهجية
بعد أن دعا ديفيد إيستون إلى قيام ثورة في علم السياسة، ظهرت مرحلة جديدة تُدعَى “ما بعد السلوكية” وهي ما تُسمَّى في علوم الاجتماع بمصطلح “ما بعد الحداثة”، وقد انطلقت بنقد السلوكية -الحداثة- ذاتها، لانشغالها بالوسائل والأدوات على حساب الجوهر، و بالتنظير التأملي أكثر من التنظير
المتعلق بالواقع السياسي، وبالحياد أكثر من التنظير الواقعي، ومن ثم دعت إلى انخراط علم السياسة بالعلوم الاجتماعية والطبيعية، وإعادة الاعتبار إلى القيم ومفهوم الدولة مرة أخرى، وبدأت ملامح مرحلة ما بعد السلوكية تظهر في السياسة المقارنة على المستويين المنهجي والنظري.
فعلى المستوى المنهجي، تبلورت عدة قضايا منها التركيز على الظواهر المتكافئة، لا المتطابقة أو المتشابهة، كما اهتمت بتضييق نطاق الدراسة مكانيًّا وكميًّا مع تعميقها زمانيًّا وموضوعيًّا، ودَعت إلى دمج العلاقات الدولية في السياسة المقارنة، وهذا الدمج فرضته ظروف التحول في بنية النظام الدولي إلى الأحادية القطبية وما رافقها من أيديولوجيات، مثل: العولمة وحرية السوق والتحول الديمقراطي، إذ أصبحت هذه القضايا أساسية في العلاقات الدولية مما جعلها ظواهر محورية كذلك في حقل السياسة المقارنة.
أما على المستوى النظري، فقد تشكلت بنية نظرية للسياسة المقارنة من خلال اقتراب الاقتصاد السياسي، فيرى أنصار هذا الاقتراب أن السياسة تعتمد بشكل أساسي على الظاهرة الاقتصادية، مما دفعهم إلى وضع شروط اقتصادية لتحقيق الديمقراطية السياسية، مثل: أن يتجه الاقتصاد بشكل أكبر نحو السوق، وأن يكون المستوى الاقتصادي والتكنولوجي والتعليمي عاليًا، وتكون الثقافة أكثر انفتاحًا، وتقبلًا للحلول الوسط، كما ينبغي توفير تعددية اجتماعية قوية مستقلة، كذلك من خلال اقتراب الكوربوراتية، التي تمثل إطارًا نظريًّا في شرح الظواهر السياسية وتفسيرها من منظور مقارن، وأخيرًا اقتراب العلاقات الدولية بالمجتمع، وقد ظهر هذا التقارب نتيجة لانغماس النموذج التنموي -الحداثي- في التركيز على مدخلات النظام السياسي وعدم إعطاء اهتمام مساوٍ للمخرجات السياسية، وتأثيرها في طبيعة العلاقات بين الدول.
الفكرة من كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
إن الحديث عن السياسة المقارنة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث عن علم السياسة ذاته، إذ يسعى إلى خلق نهضة في علم السياسة من خلال خلق أطر جديدة لتوسيع حدود علم السياسة، وتعتبر السياسة المقارنة مستودع المفاهيم والنظريات وطرائق البحث ومناهجه، التي تحدد طبيعة علم السياسة ومجاله ونطاق دراسته في أية مرحلة من مراحل تطوره، فهو يدور حول المواضيع ذاتها التي يدور حولها علم السياسة، مثل: من يحكم؟ وعدد الحكام؟ ولمصلحة من يكون الحكم؟
فالفرق بين علم السياسة والسياسة المقارنة، هو أن السياسة تعالج الموضوعات في فروعها المختلفة من زاوية ماهيتها وجوهرها، بينما يتناولها علم السياسة المقارنة من زاوية البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين النظم والكيانات والظواهر السياسية المتباينة، فينبغي تقييم حقل السياسة المقارنة من خلال منهجه، أكثر من موضوعه.
يتناول الكاتب دراسة التطور في حقل علم السياسة المقارنة، فنبدأ بتقديم رؤية كلية لحالة العلم، ومن ثم دراسة المحددات المعرفية والواقعية النابعة من الظاهرة السياسية ذاتها، لأن أي تغيير يطرأ على الظاهرة السياسية يؤثر في تطور حقل السياسة المقارنة، ومن ثم سنتناول الاتجاهات المعاصرة لحقل السياسة المُقارنة، سواءً على مستوى البنية المنهجية، أو البنية الموضوعية.
مؤلف كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
نصر محمد عارف: تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ١٩٩٥م بمرتبة الشرف، عُيّن معيدًا بجامعة القاهرة إلى أن وصل إلى رتبة أستاذ مشارك، كما أنه أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، وله عديد من المؤلفات، ومنها:
التنمية من منظور متجدد التميز، العولمة، وما بعد الحداثة.
الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية.
أزمة الأحزاب السياسية في مصر: دراسة في إشكاليات الوجود والشرعية والوظيفة.