منهم وإليهِم
منهم وإليهِم
تأتِي المرحلة الأخيرة من تعزيز نمو الطفل، وهي تشكيل وعيه تجاه المجتمع من حوله، ودمج ذاته فمع الآخرين، وهذه المرحلة تحديدًا تحتاج الكثير من الوقت حتى يصبح الطفل متفهِّمًا ومتسامحًا وعطوفًا ولديه القدرة على التعامل مع الآخرين دون فقدان التواصل مع ذاته، وهنا يكون الجانب الآخر من مرحلة الاستبصار العقلي وعجلة الوعي، وهو تحويل الانتباه إلى عجلة وعي الآخرين والتواصل الفعال معها، وهناك جانب إيجابي في الأمر؛ أن الله تعالى خلق للمخ قدرة للدمج بين الأفراد، أي إن العقل الاجتماعي شيء موجود بالفطرة، وتتيح الخلايا العصبية العاكسة الموجودة في مخ الطفل من محاكاة سلوكيات الآخرين، وأيضًا تفهُّم مشاعرهم، وكما تم ذكره مسبقًا من تأثير التجارب في مخ الطفل الفردي، فإن التجارب الجماعية لها تأثير في مخ الطرف الآخر، إذ إن الطفل يقضي معظم وقته في بداية حياته الاجتماعية مع والِديه وأشخاصه المهمين في حياته، لذا يتكوَّن تصوُّره عن الآخرين من هذه النافذة، فستكون التجارب التي خاضوها معهم هي فكرتهم الأصيلة عن العلاقات الاجتماعية كلها، ولا يقتصر هذا الأمر على الوالدين،
بل كل شخص مهم يدخل إلى محيط تعامل الطفل في سنواته المُبكرة، فإذا تمثَّلت تجارب الطفل في علاقات مليئة بالتفهُّم والدفء سيكون هو هذا الشخص في علاقاته المستقبلية (شخصًا متفهِّمًا ولطيفًا)، ويجب تقديم تجارب مصغَّرة للطفل تؤدِّي به إلى تحسين التواصل مع الآخرين، كدعم الطفل مشاركة أفعاله مع الآخرين، ويمكن تطبيق الاستراتيجيتين التاليتين في مساعدة الطفل على دمج الذات والآخر؛ الأولى: الحرص على قضاء وقت ممتع معًا، يسهل كثيرًا نسيان هذا الأمر، غير أن قضاء وقت ممتع مع العائلة يُشكِّل تقديرًا في نفوسهم وحرصًا كبيرًا على استبقاء العلاقات الصحية، والحفاظ عليها، والثانية: علِّم أطفالك أن يتجادلوا مع وضع “نحن” في الاعتبار، حيث إن تجنُّب الصراع في حياة الطفل لا يمكن بشكلٍ كامل، غير أن هذه الحقيقة يمكن التعامل معها على أنها فرصة تعليمية تساعد الطفل على النمو بشكلٍ سليم، من خلال مساعدته على النظر من خلال أعين الآخرين وتفهُّمهم، وكذلك استخدام التواصل غير اللفظي، وتصحيح الأمور بعد نهاية هذا الصراع، ويمكن للآباء تطبيق هذه الاستراتيجيات على أنفسهم من خلال فهم روايتهم الشخصية، وفهم حقيقة ماضيهم بالذات فيما يتعلق بتربية الأبوين، وأن يعملوا على كسر السلسلة الناتجة عن خلل التربية في الماضي، حتى ينتج جيل جديد أقل مُعاناةً وأكثر تفهمًا.
الفكرة من كتاب طفل المخ الكامل: 12 استراتيجية ثورية للعناية بالمخ النامي لطفلك
هذا الكتاب رحلة داخل عقل طفلك وطريقة تفكيره، ويعتمد بشكلٍ رئيس على مدى إمكانية تطبيق الفلسفات التربوية وطرقها بمنأى عن التنظير البعيد عن الواقع، من خلال الاعتماد على المحاور الأساسية لعملية التربية (أنت وطفلك والآخرون)، ويكون ذلك التطبيق حاصِل طوال اليوم العادي بأنشطته المُتَوقَّعة وغير المُتوقَّعة، وهو يعدُّ بمثابة ساحة تربوية متكامِلة من خلال التمثيل المباشر، أو الوعظ الذي يصحبه قيمة حقيقية يُعاينها الطفل، ويدمج هذا الفهم والتعمُّق داخل دماغ الطفل محاولة الوالدين في تطبيق استراتيجيات المخ الكامل عليهما أيضًا في عملية تربوية شاملة، ومتكاملة.
مؤلف كتاب طفل المخ الكامل: 12 استراتيجية ثورية للعناية بالمخ النامي لطفلك
دانيال جيه. سيجل: طبيب وعالم نفس، وُلِد في الثاني من سبتمبر عام 1957م بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على دكتوراه في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، ويعمل مُحاضرًا في نفس الجامعة التي تخرج فيها.
تينا باين برايسون: مُعالِجة نفسية ومؤسسة لمعهد play strong الذي يدعم فلسفة المُعالجة النفسية باللعب، تخرَّجت في جامعة بايلور، وحصلت على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
اشتركا أيضًا في تأليف كتاب “قوة الحضور: كيف يشكل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم”.