هدوء الدَّاخِل والخارج
هدوء الدَّاخِل والخارج
يتمثَّل عنصر الحضور الثالث في التهدئة، حيث إن مجابهة انفعالات الأطفال بانفعالات مماثلة لا يُساعد إطلاقًا على إمكان وجود جوٍّ أُسري ذي معنى يمكن تحقيق حضور الأبوين فيه، إضافةً إلى فقدان الطفل المقدرة على تهدئة نفسه في حال الانفعالات العاطفية الشديدة، لذا يكمُن الهدف في السعي نحو تحقيق التهدئة الداخلية، وهذا يعني مساعدة الطفل على التعامل مع نفسهِ المُنفعلة وتهدئتها متى أراد، وذلك لأنه تلقَّى بشكلٍ مستمر تهدئة خارجية من والديه، ما يجعله يشعر أنه يوجد دائمًا شخص من أجله عِندما يشعر بالألم أو الغضب، وذلك رد فعلٍ فطري في نفس الطفل مع ذاته نتيجة التلقِّي الخارجي، وهذا يُعدُّ من الآثار الواضحة في عملية الحضور بالتهدئة، فنفس الطفل مساحة خصبة ذات زرع عميق الجُذور، وفي الجانب الفسيولوجي فالتهدئة تعمل على نمو الجزء العلوي من المخ، وهو المسؤول عن المنطِق في الدماغ، وبذلك يصبح الطفل قادرًا على التخطيط واتخاذ قرارات سليمة، وضبط الانفعالات، والمرونة، والقدرة على التكيُّف، والتعاطف، وفهم الذات، والالتزام بالحدود الأخلاقية، وتتم عملية التهدئة بشكلٍ عملي بإدراك الجزء العلوي من مخِّ المُربِّي لما يمر به الطفل، ثم يسعى إلى التهدئة عن طريق الهدوء، فلا يُمكن لشخصٍ منفعل أن يُهدِّئ شخصًا منفعلًا، وحين تهدأ عاصفة الطفل، في هذه المرحلة يجب على المربِّي حتى يتصرَّف على نحوٍ صحيح تجاه الموقف تحديد المنطقة التي يقع فيها انفعال الطفل،
وقد قسَّم الكاتب مراحل الانفعال إلى ثلاث مناطق: المنطقة الخضراء، وهي المنطقة التي يمكن للطفل فيها التحكُّم بانفعالاته، والمنطقة الحمراء، وهي المنطقة التي تحدث فيها الفوضى الدَّاخلية، ثم تأتي المنطقة الزرقاء، والتي يدفع فيها الغضب نفس الطفل إلى الانغلاق على أنفسهم، وبعد إدراك أيِّ المناطق التي يقع فيها الطفل، يبدأ المربي بتحفيز المخ العلوي الخاص بالتفكير المنطقي للوصول إلى حلٍّ للمشكلة، وفي النهاية يُصبح الطفل بعد ذلك قادرًا على تهدئة نفسه، ولا تعتمد عملية التهدئة على التواصل اللفظي فقط، بل يعمل التواصل الجسدي عملًا أبلغ في بعض الأحيان، وهناك استدراك مهم يجب ذكره، ألا وهو أن التهدئة لا تعني أبدًا الانصياع لرغبات الطفل وتدليله، وإنما هي المحاولة للوصول إلى حالٍ يسمح فيها مخ الطفل باستقبال النصائح والإرشادات التربوية، ويمكن اتباع بعض الاستراتيجيات العملية في مساعدة الطفل على تهدئة نفسه، كالوصول مع الطفل إلى استراتيجيات يمكن استخدامها عند الانفعال، كالحصول على مكان يمكن الانسحاب فيه حتى يعود إلى المنطقة الخضراء، أو استخدام وسائل تهدئة سماعية، أو تحرير الطاقة بالحركة، والاتفاق على طلب المساعدة إذا خرجت الأمور عن السيطرة.
الفكرة من كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
إن شعور الطفل بوجود شخصٍ على الأقل في حياتهِ لأجلِه، عبارة من منبع من بواعث الأمان في نفسِه، هذا الاحتياج الشديد إلى الوجود في الطفولة إذا لم يُشبَع سيؤثِّر بشكلٍ عميق جدًّا وسلبي في حياة ذلك البالغ الذي لم يشبع من الأمان في طفولته، وهذا الوجود لا يتطلَّب صورة أبويَّة من المثاليَّة على الإطلاق، إنما يحتاجُ الصدق في السعي لا أكثر، ويدور فلك هذا الكتاب عن كيفية تحقيق الوجود المتمثل في عناصره الأربعة: الحماية، والتفهُّم، والتهدئة، والأمان، فعندما تتوافر هذه العناصر يمكن بكل سلاسة إصلاح العطب، وترميم الصدع الناتج عن الأخطاء البشرية التي لا فرار منها في عملية التربية، والحياة بأسرها، ولا يعتمد الوجود على الأثر المعنوي فقط من ثقة ومحبة وأمان، وإنما يمتد إلى الآثار الفسيولوجية الناتجة عن النمو المتكامل للمخ، وأيضًا مرونة الجهاز العصبي في جسم الطفل، والنفع الناتج عن هذا الارتباط الآمن إنما هو نفعٌ متعدٍّ للطفل وللوالدين على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
دانيال جيه. سيجل: طبيب وعالم نفس، وُلِد في الثاني من سبتمبر عام 1957م بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على دكتوراه في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، ويعمل مُحاضرًا في نفس الجامعة التي تخرج فيها.
تينا باين برايسون: مُعالِجة نفسية ومؤسسة لمعهد play strong الذي يدعم فلسفة المُعالجة النفسية باللعب، تخرَّجت في جامعة بايلور، وحصلت على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
اشتركا أيضًا في تأليف كتاب “طفل المخ الكامِل”.