كيف تتشكل النفس؟
كيف تتشكل النفس؟
يتضمن مفهوم النفس الخبرات الذهنية والعاطفية، وكل شيء جرت العادة بحشده تحت مقولة النفس، وتتمثل المهمة الأساسية لوصف تطور النفس والتطور التدريجي لعمليات التحكم الذاتي المستقل في التصدي لمجموعة من الأسئلة على رأسها: كيف ينمو الأطفال الرضع ليصبحوا لاحقًا مشاركين نشطين في الأسرة والثقافة والمجتمع؟ وكيف يتأتى للأطفال الانفصال عن مربيهم نفسيًّا ليصبحوا أفرادًا؟ وكيف ينظمون الخبرات الأساسية للتألم والاستمتاع؟
بداية، إن ولادة الطفل تسبقها مساحة متبادلة نفسيًّا وشخصيًّا، ترتبط هذه المساحة بحفنة من التوقعات والشروط والرغبات التي تحددها طبقة الوالدين الاجتماعية ومستواهما الثقافي وظروف كل منهما الفردية، ومن ثمَّ فإن بعض الصغار سيخرجون في مساحة متعطشة واتكالية توجب عليهم إسعاد (بابا وماما)، بينما يُقدَّر لصغار آخرين أن يترعرعوا في مساحة شبه إقصائية تفتقر إلى العاطفة والمساحة اللازمة لاحتضان الطفل، ومن ثم تصبح احتياجات الطفل جزءًا من الروتين والمهام اليومية للوالدين، وإلى جانب ذلك فإن تربية الوالدين للطفل في حد ذاتها أحد منتجات العمليات المعقدة “لعالم الحياة” إذ يتجلّى فيه الاتجاه الأيديولوجي وممارسة الثقافة من خلال انشغالات الأسرة الشخصية، وبناءً على ذلك فإن المساحة التي يشغلها الطفل في غاية الأهمية من أجل بقائه جسديًّا واجتماعيًّا، ومن ثمَّ فإن الصغير في هذه المرحلة يتعلم كل ما يستطيع تعلمه من خلال تفاعله مع والديه والبيئة المحيطه به، وقبل تطوير الطفل خبرة التمييز بين ما هو داخل النفس وما هو خارجها، يبدأ بتنظيم خبراته في قوالب اللذة والألم، والدفء والبرودة، وهذه التمييزات بين الأضداد لها أهميتها، لأنها توفر الأصول الجسدية والعاطفية اللازمة لمعرفة الأنظمة الثقافية الرمزية المتصلة بالحسن والقبح، والصواب والخطأ.
وبناءً على ذلك، فإن تفاعل الصغار مع الوالدين يؤدي دورًا مركزيًّا في تحديد تشكل النفس، إذ يتجاوز الأطفال ضعفهم وهشاشتهم حين يشبُّون تحت نظام يشعرهم بالاهتمام ودفء الوصال، ومن ثمَّ فإن استجابة الأب لبكاء طفله، ونوع التأثير الذي تُبديه الأم عند إرضاعه، وأي نوع من أنواع التفاعل المتعلق بتكدر الطفل وتألمه يتم دمجه في نظام تذكر يعد أساس مقدرته النفسية على الإحساس بالذات والخبرات ذات المعنى، وفي المرحلة التالية للنمو النفسي للطفل يوجد بُعد آخر للإعراب عن عالم الحياة وهو التمييزات الإدراكية والمعرفية بين الذات واللا ذات، فالخبرة الذاتية هي دائمًا إدراك للنفس في علاقتها بالآخر، ومن ثمَّ تتأسس البنية الأساسية للنفس التي تشكل الشخصية والهوية من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات التواصلية بين الجسد (الطفل) والثقافة (تصرفات الوالدين المتعلقة بالطفل).
الفكرة من كتاب حياة تالفة … أزمة النفس الحديثة
لقد رُبط التحديث بالمنافع المادية، ورغم ما يمتكله الإنسان من الماديات بأشكالها وألوانها المختلفة، فما زال يعيش حياة تعيسة، إذ تعددت وتنوعت الجرائم والأمراض من جرائم جنائية كالقتل والسرقة إلى الأمراض الاجتماعية كالطلاق والانتحار والاكتئاب والقلق، والأسر المفككة، وشقاء الفقراء، وأفول المدن الصغيرة، فزاد ذلك من أعداد المتقدمين للعلاج النفسي، ومن ثمَّ يستعرض المؤلف تأثير الحداثة في النفس البشرية، مقدمًا تحليلًا قويًّا في ضوء وقع التحديث والتصنيع الرأسمالي على الخبرة الشخصية والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
مؤلف كتاب حياة تالفة … أزمة النفس الحديثة
تود سلون : هو أستاذ مشارك في علم النفس بجامعة تولسا في أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد المساهمين والرواد في مجال علم النفس الشخصي، توفى عام 2018، ومن مؤلفاته:
اتخاذ القرار: خداع النفس في خيارات الحياة.
معلومات عن المترجم:
عبد الله بن سعيد الشهري: هو باحث دكتوراه علوم اجتماعية ومؤلف ومترجم، من كتبه:
ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان.