الفن للإلهاء والزمن اللحظي
الفن للإلهاء والزمن اللحظي
كان الفن قديمًا وسيلة لتأكيد القيم والمعاني الدينية والأخلاقية والسياسية عبر تمثيلها وتمريرها للأفراد للتأثير فيهم وإرشادهم لفعل ما، وتطورت أشكاله وتعددت واتخدت صورًا متطرفة وصاخبة أكثر مع مرور الزمن، وارتبط بالمشاعر والعواطف واللذات الوجدانية التي تحقق هزة في باطن الفرد، وتخاطب فيه حنينًا غامضًا، ولذلك كلما ازدادت المعاناة الروحية في العالم الواقعي، ظهر الفن كأنه المنقذ عن طريق خلق عوالم وذوات جديدة، وفي النهاية انفصل الفن واتخذ شكلًا غائيًّا، وظهر مصطلح الفن للفن.
وما رشحه ليكون بديلًا للدين، أنه تجربة جمالية يشبع ميلًا فطريًّا في الإنسان ولكن بلا تكاليف أخلاقية ملزمة، ومحاولته المستمرة للتغلب على الفوضى والعبثية وإضفاء بعض المعنى والمنطقية إلى العالم، كذلك توفير مخرج للتنفيس عن المشاعر المكبوتة في الواقع، بجانب أنه أحيانًا يمثل خروجًا مؤقتًا من الحياة الحقيقية وآلامها والعيش في براح الخيال
لم يكن الفن أو غيره من بدائل الدين الحديثة أن تنجح لولا أنها اهتمت باللحظة الحالية في حياة الإنسان، بمعنى أن علاقة الفرد بالزمن تغيرت بعد الحداثة، التي قطعت الروابط مع الماضي وفشلت في تحقيق وعود الفردوس الأرضي المستقبلي، فلم يتبق للإنسان غير اللحظة الراهنة، التي انغمس فيها بشتى الطرق هاربًا من الموت، فكثرة المواد الإعلامية المرئية وتفاعلات شبكات التواصل أغرقت الفرد في سباق مع الزمن، فلا يشعر بالوقت لكثرة الأحداث، ولا يحس بعمق التاريخ لكثرة المنجزات وندرة اللقاءات.
وسط كل تلك الآلام والمعاناة، تشتد الحاجة إلى سردية يقينية، وهي حكاية ممتدة عبر الزمن تمنح المعنى وتفسر الأحداث، وتعرف الإنسان بنفسه وبالعالم، وتجيب عن الأسئلة الكبرى، التي حاول بشتى الطرق تحاشيها.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.