الأديان البديلة والجسد
الأديان البديلة والجسد
بعد تنحية الدين ومحاربة المؤسسات الصلبة كالمجتمع والأسرة وهدم اليقين وانتشار العدمية والشك، وقبول النسبية كحل أخير للتعايش، فكل شيء يحمل معانيَ مختلفةً بعدد الأفراد الذين ينظرون إليه، لم يبق شيء للذات حتى تستمد منه المعنى إلى الجسد، كشيء مادي أخير ذاتي، فعومل الجسد كمشروع اقتصادي يمكن تعديله وتطويره والتحكم به، ممثلًا علامة مميزة تعبر عن الفرد، وهو ما يفسر الهوس التجاري والصحي بالعمليات التجميلية والعادات الرياضية القاسية التي تهدف إلى محاربة الشيخوخة والتحكم وتغيير شكل الجسد ليوافق الهوى الذاتي.
ولكن بنزع القداسة عن الدين أو الإله، لا بد أن نصبغها بشيء آخر بديل، لتمثل كيانًا متعاليًا مح
ملًا بأكثر من معنى، وهو ما نراه بوضوح في الأيديولوجيات السياسية والقوميات الدولية والشركات، فحلت طقوس الدولة وممارساتها مكان الدين، فالآباء المؤسسون انتزعوا الأهمية من علماء الدين، والأعياد والتضحية وغيرها من القيم أصبحت وطنية، وحاولت الأيديولوجيات تفسير الكون ضمن حكاية ممتدة تعالج أزمة المعنى، بجانب محاولة الفلسفة أيضًا تحقيق الخلاص الأرضي دون إله، وكلتاهما باءت بالفشل، سواء بقيام حروب عالمية، أو بارتفاع نجم العلوم الإنسانية.
ولكن استمرت محاولات استخلاص المعاني الروحانية من التجارب والممارسات الدينية ولكن بصورة تنحي الدين كتكاليف وعقيدة، وتقديمها للفرد في صور ممارسات تمنح الطمأنينة وتحسن من مستوى الشعور، كحركة الروحانية الجديدة، أو التشابه بين الرياضات الحديثة والدين، فدور العبادة شبيهة بالاستادات، والفرق تقسم مشجعيها بالألوان والأهازيج الخاصة، ويعيش المشجع التجربة الشعورية الممتلئة بالانفعالات.
قد تملأ أيضًا الشركات العالمية الكبرى الفراغ الروحي لدى أتباعها، فتحيط نفسها بهالة مقدسة من الشغف والغموض والكمال، وتهتم بتكوين الروابط المختلفة بين الجماهير، وتمنحهم شعارًا ومفهومًا متعاليًا يحمل مشاعر عميقة.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.