المعنى والهوية
المعنى والهوية
يضم سؤال المعنى أسئلة كبرى عدة، من ضمنها سؤال الهوية، وهي تعريف الإنسان لنفسه ووظيفته ودوره وهدفه، وأول ما يقيد ذلك هو المجتمع، فيكبت الكثير من شهوات الفرد ورغباته ليتنازل عن بعضها، وفي الوقت نفسه يخبرنا مجتمعنا الحديث أن جميع الأفراد متميزون ولديهم شيء خاص بداخلهم، وعليهم أن يجدوا هوياتهم الذاتية الخاصة الخالصة من أي شوائب محيطة، وذلك درب من دروب المستحيل.
ولكن وسط تمتع الفرد بالحرية السلبية وهي انعتاقه من القيود الدينية والمجتمعية، التي كانت تمنحه شعورًا بالانتماء، وتوجهه في مسارات محددة منتشلة إياه من الارتباك والتيه، وتمنحه بعضًا من المعنى في الثقافة التي يتربى عليها، فبعد أن خسر كل ذلك افتقد ما يلزمه بالمسؤوليات ويحدد أدواره، وقذف به وسط بدائل وخيارات لا نهائية، ومهما اختار الإنسان فإن كلفة الاختيار مؤلمة جدًّا، لأنه مضطر لمواجهة فكرة الخيارات الكثيرة المحتملة بأن تكون أفضل.
ولا يكفي لكي نحوز هوية مقبولة لذواتنا أن نرضى عنها فقط، بل يجب أن نحصل على القبول من الآخرين، لتكتسب الهوية الصبغة الاجتماعية، لأننا مفطورون على تكوين العلاقات مع الآخرين، ونتعرف من خلالها بجانب اللغة على أنفسنا وعالمنا، وهذا قد يفسر الحركات والتيارات المتعددة الثقافات التي تنادي وتحارب لنيل الاعتراف من الآخرين بقبول هويتهم، حتى لو اضطر الأمر إلى فرضها.
وقد يعوض النقص في الهوية بالانتماء إلى المشاهير أو النجوم أو الفرق أو أي كيان بشكل عام، ويتم التعامل مع تلك الكيانات كأنها منبع لاستمداد للقيمة الذاتية، وهو ما يسبب التعصب لها والاستعداد للتضحية أو المعاناة في سبيلها، وهو ما يجعلنا ندرك ملمحًا آخر من أزمة المعنى والهوية، وهو تقديس ما ليس بمقدس، أو حلول كيانات دنيوية مكان الدين.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.