جذور المعنى
جذور المعنى
المسؤول الأول عن كل ما يحيط بأزمة المعنى ونتائجه وآثاره هي الحداثة وما بعدها، فقد علت بقيم العقلانية والفردانية والحرية إلى مستوى التقديس بدلًا من الإله، وإذا نظرنا إلى مراحل ذلك الاستبدال فسنجد أنه بدأ مع المسيحية في أوروبا متمثلة في القس أوغستين، الذي وضع طريقة للوصول إلى الحقيقة واليقين بالإله عبر تأملاته الذاتية الدينية، ثم تبعه الفيلسوف المعروف ديكارت ولكن استند إلى الشك المنهجي حتى شكك في ذاته، فبدأت الرجة الأولى في يقين أوروبا.
ثم بدأت عملية الحداثة في التبلور قاطعة كل ما يربطها بالماضي، منطلقة من الفرد المكتفي بذاته، واستندت إلى ذلك كل النظريات السياسية والقانونية، وبسبب المغالاة في النزعة العقلية ظهرت الحركة الرومانسية رد فعل، فوضعت تقييم الأشياء بناء على التفضيل الشخصي، وأعلت من قيمة العواطف، وجعلت الفرد في حالة من الصراع المستمر مع المجتمع لتحديد طريقه الخاص واختيار كل ما يتعلق به، وجعلت في ذلك معنى حياته وقيمتها، وهكذا انفصل الإنسان عن حياته الباطنية، وأضحت كل محاولاته للبحث عن المعنى داخلية.
يمكن أن نلمس الاهتمام الكبير بالحياة العاطفية للإنسان في أدبيات ذلك العصر، خصوصًا المذكرات الشخصية والرواية الحديثة، فقد اهتمتا بتفصيل أدق اختلاجات النفس وتغيراتها وعواطفها، بعد أن كانت المذكرات تستخدم كوسيلة لمحاسبة الذات وتقويم سلوكها، ووضعت الرواية الفرد في المركز وجعلتنا نرى العالم من خلال عيون الفرد كأنه العالم بأسره.
ولكن ماذا إن فشلنا في خلق واقع حقيقي بمزاجنا؟ الحل في خلق واقع افتراضي، وهو ما زاد الوضع سوءًا في عصرنا الرقمي، بسبب إمكانية اختلاق ذات أو شخصية جديدة وحتى العديد منها، ومكننا من تعديل صورنا لدى الآخرين، فلا توجد هوية حقيقية ثابتة، بل عالم سائل من الهويات الافتراضية المعدلة باستمرار، وبسبب طغيان تلك الصور، زاد تقلب مشاعر الفرد.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.