تعاملنا مع سؤال المعنى
تعاملنا مع سؤال المعنى
قد يصيبك الملل في أثناء ممارستك للأفعال التكرارية المعتادة كتناول الطعام والشراب والذهاب إلى العمل، وقد تعاني بعض الآلام الجسدية أو النفسية، بجانب مواجهتك للمشكلات الحياتية الصعبة، بالتأكيد ربما تكون قد ابتليت بموت أحد أحبائك أو شعرت بأن الموت قريب منك، كل تلك النواقص الدنيوية تذكرك باستمرار بالبحث عن المعنى أو الغاية من التعرض وتحمل كل تلك البلايا، إلى جانب النزعة الفطرية للإنسان بالبحث عن النسق أو العلاقات بين الظواهر والأحداث وأسبابها، فلا يميل إلى العبثية والعدم.
ورغم ضرورة ذلك السؤال كما بيّنا فإن الإجابات الحداثية تجاهلته أو تهربت منه أو نفت وشككت في ضرورته من الأساس، ومن تناول تلك الأزمة حصرها في نطاق الفرد، أي أن على كل فرد أن يجد معنى خاصًّا بحياته يعيش من أجله، وغالبها طبعًا معانٍ دنيوية مادية من قبيل تحقيق السعادة والذات والنجاح الوظيفي، أو خدمة الإنسانية ومساعدة الآخرين.
كان نتاج ذلك نمو شعور الفرد باليأس والعجز والتيه؛ كل شيء من حوله هو دوامة تربكه، ولمعالجة ذلك الشعور لجأ الفرد إلى العلاج النفسي، وهذا يتضح في الاهتمام المتزايد بأساليبه وأطروحاته، التي تحاول تخفيف آلام الفراغ التي يعانيها الفرد، ومنحه بعض المعنى الإيجابي في حياته الذاتية، بدلًا من انغماسه في ملذات مؤقتة.
بزغ نجم الفردانية وتعني مركزية الفرد، فكل الأفعال والأهداف والأسئلة والإجابات يجب أن تدور حول الفرد، فيبحث عن الإجابات ويختار كل شيء حتى هويته الجنسية، فالمعنى في ذاته، ويتخلى عن مسؤولياته الأخلاقية والاجتماعية، مما زاد النرجسية والأذى في العلاقات بين الأفراد، فكل فرد يهتم فقط بما يحقق مصلحته الخاصة، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، فزاد ذلك من محاولات الفرد للهروب من آلام واقعه والأسئلة المطاردة له، ومن مظاهر الهروب السلوك الإدماني.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.