علاقاته
علاقاته
وعلى الرغم من عظمة عمر، فقد كان يستصغر نفسه أمام عظمة النبي، فكان يحبه حب إعجاب، ومرة سمع منه كلمة يا أخي ظل يذكرها طوال حياته وكل مرة يذكرها فيها يقول: “ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس، لقوله يا أخي!”، ومع ذلك لم يفقد عمر استقلالية رأيه أمام هذا الإعجاب والطاعة، وقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يأخذ برأيه حينًا ويتركه حينًا، فلم يغضب عمر من ذلك أو يتمرد، فهو لا يتمرد على القائد الأعلى.
وكان كذلك مع أبي بكر الصديق، فعندما طلب منه أبو بكر أن يتولى الخلافة قال له إنه أفضل منه، وعندما أخبره أبو بكر أنه الأقوى، قال إن قوته مع فضل أبي بكر، وأنه أولى من يتولى الخلافة بعد رسول الله، وبهذا الشكل قضى بطلنا على الفتنة بين المسلمين، فكان هناك خلاف بين المهاجرين والأنصار حول من أحق بالخلافة منهم، لكن بمجرد سماع رأي عمر ومبايعته أبي بكر، انفض الخلاف، وعلى الرغم من اختلافهم في الطباع، كانا يتناقشان حول الرأيين المختلفين، حتى يستقرا على أحدهما.
وبعد عهد أبي بكر، بويع عمر بالخلافة وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، لكن البعض حذَّروا أبا بكر من شدته، وهذا زاد من تمسُّكه به، وفي فترة خلافته قل عدد المختلفين معه، فقد شهد له الصحابة والمسلمون أجمعون، لأنه راعى أقدارهم كما كانوا يراعونه، ولم يشهد له الصحابة فقط، بل شهد له زوجاته أيضًا، فهن من كشفن غطاء الخشونة ليكتشفن ما في نفسه من رحمة، فقد كانت زوجته جميلة لا تطيق فراقه، وحين يخرج تصحبه إلى الباب وتقبِّله، وزوجته عاتكة بنت زيد كان بكاؤها عليه بعد مقتله ليس كبكاء أي زوجة على زوجها، وتعدَّدت قصائدها في تأبينه.
وقد كان عمر بارًّا بوالده، ويحب أبناءه، بل كان يحب الأطفال جميعًا، فيشفق على حزنهم، ويعزل الوالي إذا لم يكن يحنو على أطفاله، وقصة وأد ابنته في الجاهلية مشكوك في أمرها، لأن الوأد لم يشتهر به بنو عدي أو بيت الخطاب، فأخت عمر فاطمة عاشت، وأكبر بنات عمر حفصة التي ولدت قبل إسلامه بخمس سنوات عاشت، كما أن الطفلة الصغيرة لم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها.
الفكرة من كتاب عبقرية عمر
ما بين القاهرة والسودان ظل العقاد يجمع المصادر ليُهدينا هذا الكتاب الذي يدور حول صفات وأطوار شخصية تُعدُّ من أعظم الشخصيات الإسلامية، وهي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقد عرض له خاطره النقد لكنه شعر بالحرج، فكيف يُحاسِب رجلًا كان أشد حسابًا لنفسه، فبعد تمحيص من العقاد وجد أن كل موضع نُقِد فيه عمر كان له حُجَّة قوية وإن أخطأه الصواب، وقد ذكر بعضها في خلال هذا الكتاب، فهنا لن نتعمَّق في سيرة عمر بن الخطاب، بل في صفاته وثقافته، وفي أطواره، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأثناء الحكم، وفي علاقته بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه وأهل بيته.
مؤلف كتاب عبقرية عمر
عباس محمود العقاد: أديب مصري، وشاعر، ومؤرخ، وفيلسوف، وسياسي وصحفي، وُلد بمدينة أسوان عام 1889، واكتفى بالحصول على الشهادة الابتدائية، لكنه ظل يعكف على الكتب ويثقِّف نفسه بنفسه حتى وصلت مكتبته إلى أكثر من ثلاثين ألف كتاب، وقد التحق بالعديد من الوظائف الحكومية ولكنه لم يظل طويلًا في أيٍّ منها، لأنه كان يرى الوظيفة الحكومية سجنًا لأدبه، فاتجه بعد ذلك إلى الصحافة حيث التحق بجريدة الدستور، وأصدر جريدة الضياء، وعمل في أشهر الصحف آنذاك، وقد دخل في معارك مع كبار الأدباء والشعراء، وشارك في تأسيس مدرسة الديوان، كما شارك في معترك الحياة السياسية، فانضم إلى حزب الوفد، وهاجم الملك فاروق أثناء إعداد الدستور، فسُجِن لمدة تسعة أشهر، تعدَّت كتبه المائة، وأشهرها:
سلسلة العبقريات.
أنا.
سارة.
وحي الأربعين.
كما قام أيضًا بتأليف عدَّة قصائد، منها:
أصداء الشارع.
الآمال.
العقل والجنون.