إسلامه
تعدَّدت الروايات في إسلام عمر، فهناك رواية يُقال إنها نُقِلت عن عمر نفسه، فعمر كان يُحب شرب الخمر في الجاهلية، وكان يجتمع في مجلس مع رجال قريش، فخرج ولم يجدهم، فذهب إلى خمَّار ولم يجده، فطاف حول الكعبة يبحث عن جلسائه، فوجد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يُصلِّي بين الركن الأسود والركن اليماني، فذهب ليفزعنَّه حيث ظل يقترب حتي وصل إلى الحجر فدخل تحت ثيابها، وما بات بينه وبين محمد سوى الثياب حتى سمع القرآن ورقَّ له قلبه.
وهناك رواية أخرى رواها ابن إسحاق، ففي يوم قد اشتدَّ غضب عمر من محمد لأنه فرق قريش، فخرج متوشِّحًا سيفه يريد الرسول ورهطًا من أصحابه، وأثناء بحثه عنهم علم بدخول أخته وزوجها إلى الإسلام، فذهب إليهم وسمعهم وهم يقرؤون من الصحيفة، ولما دخل المنزل واجهَهم بدخولهم الإسلام فضرب أخته حتى أدمى وجهها، وانقضَّ على زوجها، فثارت أخته واعترفت بإسلامهما، فما رأى الدم ينزف من وجهها حتى ندم وطلب منها الصحيفة ليقرأ سورة طه التي رقَّ لها قلبه، فذهب إلى الرسول وأعلن إسلامه.
وكما تعدَّدت الروايات، تعدَّدت الأبواب المفتوحة بين عمر والإسلام، فعمر كان يحب الأدب، لذا ليس من الغريب أن تأسره بلاغة القرآن، وقد كان كارهًا للفساد المنتشر في الجاهلية، وورث النزعة الدينية من عائلته، فأخته وابن عمه بادرا إلى الإسلام، وهناك من رجال عمومته من كانوا يبحثون عن الحق في الوثنية والنصرانية واليهودية، كما أنه ورث الفراسة التي كانت تصل بينه وبين عالم الغيب والأسرار، كل هذه الأبواب كانت مفتوحة، الباب الوحيد الذي كان موصدًا هو غيرته على قبيلته من أن يسفِّه أحد أحلامها أو يعيب آلهتها، ولكن لم يحجبه هذا الباب طويلًا.
ومنذ اللحظة الأولى التي دخل فيها الإسلام حرص على أن يصيبه ما أصاب المسلمين من مخاطر، وأن يتحدَّى قريشًا بأنهم على باطل، فذهب إلى أكثر الناس نقلًا للكلام في مكة، وهو جميل بن معمر الجمحي، وصرَّح له بإسلامه، فخرج الرجل يصرخ في أهل مكة ليخبرهم أن عمر بن الخطاب قد صبأ.
الفكرة من كتاب عبقرية عمر
ما بين القاهرة والسودان ظل العقاد يجمع المصادر ليُهدينا هذا الكتاب الذي يدور حول صفات وأطوار شخصية تُعدُّ من أعظم الشخصيات الإسلامية، وهي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقد عرض له خاطره النقد لكنه شعر بالحرج، فكيف يُحاسِب رجلًا كان أشد حسابًا لنفسه، فبعد تمحيص من العقاد وجد أن كل موضع نُقِد فيه عمر كان له حُجَّة قوية وإن أخطأه الصواب، وقد ذكر بعضها في خلال هذا الكتاب، فهنا لن نتعمَّق في سيرة عمر بن الخطاب، بل في صفاته وثقافته، وفي أطواره، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأثناء الحكم، وفي علاقته بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه وأهل بيته.
مؤلف كتاب عبقرية عمر
عباس محمود العقاد: أديب مصري، وشاعر، ومؤرخ، وفيلسوف، وسياسي وصحفي، وُلد بمدينة أسوان عام 1889، واكتفى بالحصول على الشهادة الابتدائية، لكنه ظل يعكف على الكتب ويثقِّف نفسه بنفسه حتى وصلت مكتبته إلى أكثر من ثلاثين ألف كتاب، وقد التحق بالعديد من الوظائف الحكومية ولكنه لم يظل طويلًا في أيٍّ منها، لأنه كان يرى الوظيفة الحكومية سجنًا لأدبه، فاتجه بعد ذلك إلى الصحافة حيث التحق بجريدة الدستور، وأصدر جريدة الضياء، وعمل في أشهر الصحف آنذاك، وقد دخل في معارك مع كبار الأدباء والشعراء، وشارك في تأسيس مدرسة الديوان، كما شارك في معترك الحياة السياسية، فانضم إلى حزب الوفد، وهاجم الملك فاروق أثناء إعداد الدستور، فسُجِن لمدة تسعة أشهر، تعدَّت كتبه المائة، وأشهرها:
سلسلة العبقريات.
أنا.
سارة.
وحي الأربعين.
كما قام أيضًا بتأليف عدَّة قصائد، منها:
أصداء الشارع.
الآمال.
العقل والجنون.