السمات الشخصية للعامِل المزارِع
السمات الشخصية للعامِل المزارِع
يعتمد عمل الفلاح بشكل رئيس على قدرته الجسدية إذ يواجه الفلاح الطبيعة بجسده، وهذا وإن ميز الفلاح بقوة التحمل فهو على الجانب الآخر يجعله عرضة للعديد من الأمراض، كالبلهارسيا والإنكلستوما والرمد نتيجة لفساد البيئة التي يعمل بها، ويضاف إلى فساد البيئة قلة عدد الأطباء في القرى بالإضافة إلى جهل الفلاح وفقره، فالفلاح قد يريد العلاج لكنه لا يقدر على ترك عمله في اليوم الذي يضطر للذهاب فيه إلى المشفى في المركز أو القرية المجاورة كي لا تفوته أجرة اليوم.
والفلاح قلما يُعمل عقله لذلك، فهو لا يفكر إلا في نطاق الحالة الراهنة ولا يعمل إلا إذا لزم عليه العمل، سريع التصديق ويسهل خداعه، كثير الكتمان والحذر خصوصًا مع رؤسائه ومحيطه العائلي، لا يعرف ضبط المواعيد لقلة اعتياده النظام، ألف الظلم فصار الخضوع عادةً له وتعود الصبر من كثرة الخضوع، عانى كثيرًا من السخرية واستغلال الغير له، فمالك الأرض يجعله يعمل طوال العام ويعطيه قدرًا ضئيلًا من المال، والعمدة يجعله يأتي أحد الأيام للعمل في أرضه دون أجر، وعندما يصير فيضان النيل أو يصبح محصول القطن معرضًا للتلف أو يهاجم الجراد الأراضي، تجمع الحكومة مئات الألوف من الفلاحين للعمل ليل نهار.
يتسم الفلاح بحدة طبعه التي لا تظهر إلا تجاه من هو أضعف منه أو عندما تضيق عليه الحياة، فكثرة تعرضه للظلم تتراكم في قلبه حتى تأتي لحظة يتحول فيها إلى ثورة عاصفة قد تدفع به لقتل غيره دون سببٍ يستحق، وتتبع القتل آفة الحياة في الريف وخصوصًا في قرى الصعيد وهي الأخذ بالثأر فتموت على إثرها عشرات النفوس.
لم يصبح الفلاح بهذا الحال بسبب استعدادات راسخة في نفسه، وإنما بسبب البيئة التي نشأ وقضى حياته فيها مكبلًا بقيود الفقر والجهل مع عدم التفات غيره إليه كأنه ليس من جنس البشر، وعندما أدركت الحكومات أن المجتمع كله مشارك في الحالة التي عليها الفلاح، أصدرت القوانين الإصلاحية ووفرت له بعض الحماية من القانون وبدأت في بناء المدارس والمستشفيات، كما ساهم الأهالي ممن يسعون لخدمة الفلاح بمشاركة الحكومة في إنشاء المراكز الاجتماعية وبدأت الصحف ووسائل الإعلام تشير إلى أوضاع الفلاح وبؤس الحياة التي يحياها وتدعو فئات المجتمع للمشاركة في تصحيح أوضاعه.
الفكرة من كتاب الفلاحون
يعتبر الفلاح عاملًا مهمًّا في حفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ففي وقتٍ من الأوقات كان الفلاحون يمثلون ثلاثة أرباع عدد سكان المجتمع المصري، وكان مجتمع الفلاحين هو مصدر الإنتاج الذي يقوم عليه اقتصاد الدولة. وبرغم ما تتسم به حياة الفلاح من المعاناة والفقر والجهل، فإنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي على مر العصور، والفلاح يستحق أن تكون حياته موضع درس وتحليل للتعرف على جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع المصري.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة للتعرف على حياة الفلاح عن طريق الحديث حول طبيعة عمله، وكيفية قيامه به ومحل سكناه وعاداته وصفاته إلى غير ذلك من الجوانب المهمة التي تميز حياة الفلاح المصري عن غيره من فئات المجتمع الأخرى.
مؤلف كتاب الفلاحون
هنري حبيب عيروط: ولد بالقاهرة سنة 1907م، درس بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع وحصل على الدكتوراه وكانت في موضوع دراسة أخلاق الفلاح وعاداته، أسس جمعية المدارس المجانية في قرى الصعيد التي وصل عدد المدارس التي تديرها إلى 100 مدرسة، نشر هذا الكتاب أول مرة عام 1938م في باريس باللغة الفرنسية تحت عنوان “أخلاق الفلاح وعاداته” ثم طُبع مرة أخرى في طبعته الجديدة تحت عنوان “الفلاحون”.
معلومات عن المترجم:
محيي الدين اللبان.
وليم داود مرقص.