الضوابط الحكومية.. ساسة أحيانًا ورجال أعمال معظم الوقت
الضوابط الحكومية.. ساسة أحيانًا ورجال أعمال معظم الوقت
لم تكن المدرسة النقدية هي الوحيدة التي لديها مشاكل مع نظرية كينز، لقد عارضه آخرون أيضًا فيما يتعلَّق بالتدخُّل الحكومي، تنظر مدرسة الخيار العام إلى السياسيين كتجار يعملون في الحكومة لا أكثر، وهم بذلك لن يفوتوا أول فرصة تأتيهم لتحقيق الأرباح؛ هذا بالضبط ما تستغله الشركات والاتحادات العمالية التي تريد الهرب من منافسة السوق عن طريق الدعم الحكومي، أو من خلال إصدار قرارات احتكارية بحجة الحفاظ على الصناعة المحلية أو حماية المجتمع من غير الأكفاء، ولا تفعل هذه القرارات إلا أنها تضمن الربح لهؤلاء الضعفاء على حساب المستهلكين، قد تتساءل لماذا ينجح رجال الأعمال في الضغط على الحكومة ولا ينجح المستهلكون؟ لأن سعي المواطنين إلى تنظيم أنفسهم والضغط على الحكومة أكثر كلفة مما تنهبه تلك الشركات من كل فرد على حدة، لذلك يعتقد أتباع هذه المدرسة أن جميع الأنشطة التجارية تحبِّذ التدخل والضوابط الحكومية لا العكس، لأنها تحميها من مخاطر السوق الحرة والمنافسة الحقيقية، ولأنهم يستطيعون استخدام هذه الضوابط، عن طريق جماعات الضغط، لاحتكار السوق، لكن إذا أهمل المواطنون شيئًا كهذا، لماذا تسمح به الحكومات؟
لا يحسن أتباع مدرسة الخيار العام الظن بأحد، وكما افترضنا سوء نوايا الساسة، فكذلك موظفو الحكومة سيسعون أيضًا وراء مصلحتهم الشخصية، ولأنهم لا يمكنهم أخذ الرشاوى في أغلب الأحوال، فتضخيم ميزانية الدوائر الحكومية هو الحل الوحيد الذي يمكنهم من زيادة رواتبهم وصلاحياتهم، لذلك تكون الدول ذات الاقتصاد المستقر والأنظمة البيروقراطية المتضخمة هي الأكثر عرضة لتلاعب الموظفين الحكوميين، وهي بذلك الأكثر خضوعًا لجماعات الضغط والمصالح الخاصة، إذًا ماذا كان يفعل كينز بتشجيعه على الأنشطة والمشروعات الحكومية؟ لقد رفض هذا النموذج بالكامل وأصر على أن المسؤولين الحكوميين يسعون وراء المصلحة العامة، سواء بإرادتهم أم لا، يعتقد كينز بوجود عامل سياسي خفي يجبر الساسة على اتباع المصلحة العامة، ولكن لم يدك كينز أن تأثير هذا العامل الخفي يتضاءل كثيرًا بزيادة الأنشطة الحكومية ودعم الإنفاق، فقد عاش كينز مع سياسيي بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، واعتقد أن كل مسؤولي الحكومة مذهلون وأخلاقيون كهؤلاء، لكن بقية العالم يرون أنهم ليسوا كذلك.
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
شهدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.