مالتوس المتشائم وصديقه الأقل تشاؤمًا
مالتوس المتشائم وصديقه الأقل تشاؤمًا
كانت نهايات القرن الثامن عشر تعد البشر بمستقبل أكثر إشراقًا، وأكَّد الفلاسفة والعلماء على تلك الرؤية، وشجَّعوا مواطنيهم على التكاثر باعتبار أن هذه الأعداد المتزايدة، سوف تُساعد على نمو الاقتصاد في المستقبل، كان الحلم باهرًا ومريحًا لتلك المجتمعات، ولذلك كانت نبوءة الفيلسوف والاقتصادي مالتوس كالكابوس، لقد بدَّد كل تلك الأحلام، وبأقسى الحقائق والكلمات أعلن أنه وفقًا للبيانات المتاحة والنتائج التي استخرجها منها، فالبشر يتكاثرون بمعدل مرتفع للغاية مقارنةً بالمعدلات التي تزداد بها الموارد الطبيعية، وإذا استمر التزايد السكاني بنفس المعدلات، فالمستقبل الكئيب هو أرحم ما ينتظر البشر، وقدم مالتوس “الضوابط الإيجابية” كحل للسيطرة على هذا التزايد، ونالت هذه النظرية كثيرًا من النقد واتهم مالتوس بالكآبة وكراهية الفقراء، لكن هل كانت نبوءاته محَّقة؟!
لحسن الحظ كانت مخطئة تمامًا، وقع مالتوس في فخ التعميم، فقد طبَّق نتائج البيانات المحدودة التي كانت معه على مستقبل البشرية، وأغفل أيضًا الفعل البشري في التاريخ، لم يتزايد البشر بالمعدَّلات التي ذكرها مالتوس وازدادت الموارد بفضل الابتكارات البشرية، فقد افترض مالتوس أن البشر سيستمرُّون في نهجهم المدمر حتى وكل نُذر الهلاك تدقُّ حولهم.
في عصر مالتوس كان هناك فيلسوف اقتصادي آخر لا يقل عنه تأثيرًا، ولكنه أكثر تفاؤلًا، وللعجب كانا صديقين عزيزين، ويُعرف عن ديفيد ريكاردو أنه صاحب أكثر النظريات الاقتصادية تعقيدًا، فقد سار ريكاردو على خطى آدم سميث، لكنه وضع نظرية أكثر تفصيلًا، وأكثر إزعاجًا للسياسيين، وكبار الملاك، ودارت جميع أفكار ريكاردو حول كيفية استخدام الموارد بفاعلية أكثر، حيث تتقاسم الدول والأفراد الأعمال كما قال آدم سميث، لكن هذا التقسيم يجب أن يكون حسب “تكلفة الفرصة الأقل”، ويعني ذلك أن الدول يجب أن تتخصَّص فقط في المنتجات التي تجعلها تضحِّي بأقل قدر ممكن من الموارد، كان هذا يعني أن يرضى التجار المحليون بالمنافسة أو ينقلوا تجارتهم إلى مجالات أخرى تتميَّز بها الدولة بالفعل، وهنا بدأت الحرب بين ريكاردو والتجار المحليون الذين يطالبون بحمايتهم من الأجانب، في حين يرى ريكاردو أن تلك التوجهات قصيرة النظر، مثل فرض الضرائب، لن تؤدي بالعالم إلا العودة إلى العزلة التجارية، لكن في المقابل إذا بادلت الدول بضاعاتها المصنَّعة مقابل المواد الخام التي تفتقر إليها، ستتراكم الثروة.
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
ش
هدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.