الجائع لا يأبه.. اللعب مع الكبار
الجائع لا يأبه.. اللعب مع الكبار
قال السادة لشعب المستعمَرين، إنكم لا تفهمون إلا لغة القوة، ولما بدأ النضال، فهم الشعب أن الاحتلال أيضًا لا يفهم إلا لغة القوة، وتأتي نقطة اللا عودة، يتم تسريعها بواسطة العنف الآتي من الغازي، فبعد أن تعلم المستعمَر، أن هذا العالم الثنائي لا يمكن أن يستمر إلا ببقاء أحدهما، ورد على العنف بالعنف، كان مدركًا أن خسائره ستكون هائلة مقارنة بالتي يُنزلها بالغزاة، وهو أيضًا لا ينتظر شيئًا من عدالة ، لن يشكو الى أحد حين يعذبونه أو يقتلون بنيه، فقط سيرسب هذا العنف، وينظر إلى كل من في الضفة الأخرى كغزاة أيضًا، مثلما نظروا هم إليه ككتلة واحدة حيوانية.
ثم إن هذا العنف قد وحّد شراذم المستعمَرين، لقد أصبحوا الآن جميعًا قتلة وإرهابيين، لا أرض واحدة ستجمعهم ثانية مع المحتلين أو ظلالهم، لقد جمعهم العنف منذ أول ضربة وجهوها لأحد المستوطنين، وداخل هذه الأمة الجديدة تتحدد الثقة والقيادة على قدر الخطر المحدق بالفرد، واليأس بينه وبين المستعمِر، فأكثرهم عنفًا وقتلًا وكراهية من الغزاة هو أجدرهم بالثقة والقيادة، لأن المُنتظر منه هو قطيعة نهائية مع عالم الاستعمار.
على القادة الجدد ألا يطلبوا العمل المضني من شعوبهم بحجة قيام الدولة؛ إنهم بذلك يثبتون قوانين الاستعمار، وعلى الأمم المستقلة حديثًا أن تبرع في مجالات غير التي فرضها عليها المستعمِر، أن تتخلص من كونها مجرد منجم ثروات للقوى الكبرى ،بذلك تضمن استقلالها الاقتصادي عن مستعمريها السابقين، إن دول الاستعمار حين تهرب بذيولها من مستعمراتها، ثم تعلن عليها حربًا أخرى في ميدان الاقتصاد، تخنق نفسها بيدها، ليفهم قادة دول العالم الثالث أنه ما من معروف في تلك التعويضات التي تتصدق بها أوروبا عليهم، على الدول الإفريقية أن تعي أنها ليست مضطرة لأن تشحذ التعويضات من مستعمريها؛ سرعان ما ستضيق الأسواق الأوروبية بشركاتها ومنتجاتها، ويصبح المكسب ضئيلًا، وعندما ترنو تلك الشركات الخاصة لفتح أسواق جديدة، إذا بها تفاجأ بالوضع غير المستقر الذي سببه الاستعمار في أسواق المستعمرات، تذهب هذه الشركات لتضغط على حكوماتها لتوفير الدعم لهذه الدول، لضمان استقرار الأسواق الخارجية، ويأتي للعبيد السابقين حقهم عنوة، سواء شحذوه أم لا.
الفكرة من كتاب معذبو الأرض
كان المحتلون في البداية يملكون الكلمة؛ يهتفون ويردد المستعمَرون وراءهم، تقودهم النخبة المُصطفاة من المستعمِر، كان ذلك عصر الإخضاع؛ عصرًا أوروبيًّا بامتياز، وإذا بتلك الأسنان البيضاء الناصعة تتحرك من تلقاء نفسها، تتكلم، وتُحاجج الأوروبي بقيمه التي فرضها، وكان ذلك عصر التجاهل، ثم تعالت تلك النبرة، واستحالت إلى صراخ، وتشنجت العضلات في البداية، بدأ العبيد يتحسسون أجسادهم، إنهم بشر أيضًا، وها هو عصر الغضب.
يتحدث فانون -المؤلف- كثيرًا عن الأوروبيين، ولكنه يتوجه بحديثه إلى قومه في العالم الثالث حصرًا، إنه لا يهتم بالمجازر ولا يستنكر ما فعلته أوروبا، إنه فقط يستخدمها، يشرح لإخوته: “إذا كانت وسيلة المستعمِر هي القوة، فليس أمامنا سوى العبودية أو السيادة”.
مؤلف كتاب معذبو الأرض
فرانز عمر فانون: طبيب نفسي وفيلسوف اجتماعي، وُلد عام 1925م في جزر المارتينيك، التحق بالمدرسة الطبية في ليون، عمل طبيبًا عسكريًّا في الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي، انضم وقتها إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية بشكل سري، ليستقيل من عمله مُعلنًا انضمامه للجبهة، تُوفي عام 1961م مُتأثرًا بسرطان الدم، ودُفن في مقبرة مقاتلي الحرية بالجزائر كما أوصى، أعماله الأخرى:
بشرة سمراء وأقنعة بيضاء.
استعمار يحتضر.
معلومات عن المترجم:
سامي الدروبي: سياسي وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي سوري، كان عميدًا لكلية التربية في جامعة دمشق، عُين وزيرًا للمعارف، اشتهر بترجمته لأعمال كتاب روسيا الكبار، مثل دوستويفسكي وتولستوي وغيرهما.
جمال الأتاسي: كاتب ومترجم وسياسي سوري، حصل على الدكتوراه في الطب النفسي من فرنسا، وكان من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، عُين وزيرًا للإعلام في وزارة صلاح البيطار.