الشعبوية بوصفها تجسيدًا لا تفويضًا
الشعبوية بوصفها تجسيدًا لا تفويضًا
يتشكَّل جوهر الديمقراطية الشعبوية في أنها تمثيل بوصفه تجسيدًا، وهي بذلك تكون على النقيض من الديمقراطية التمثيلية التي يتشكَّل جوهرها في أنها تمثيل بوصفه تفويضًا، وبناءً على ذلك تواجه الشعبوية تناقضًا صريحًا يؤدي إلى إخفاقها في الوفاء بوعودها التي قطعتها قبل الوصول إلى السلطة، لذلك تقوم الحكومات الشعبوية عند وصولها إلى السلطة بالإدلاء بتصريحات قوية مناهضة لمؤسسة الحكم، وفي الوقت نفسه تتفاوض مع المعارضة في الخفاء وفق المنطق البراغماتي ودون إخبار الشعب، لأن الشعب يريدها أن تحكم دون تقديم أي تنازلات، ومن المتعارف عليه أن أنظمة الحكم الشعبوية تُعرف وتسمَّى باسم زعيمها، وهذا الزعيم هو صوت الشعب والمعبِّر عنه، ومن ثمَّ يتصرَّف الزعيم بوصفه الشعب، وبطريقته الكاريزمية وقدرته على الخطابة يعمل الزعيم على إشراك الشعب في الحياة السياسية، كما من الملاحظ أن الزعماء الشعبويين لا يصعدون إلى الواجهة في أوقات النمو والرخاء، بل في أوقات تردِّي الأوضاع الاقتصادية، وهذا ما يجعل منهم أشخاصًا جذَّابين، كونهم يُجسِّدون حالة الاستبعاد التي يعشيها الشعب.
تفترض الزعامة الكاريزمية وجود عاملين أساسيين، العامل الأول وجود إيمان يشبه الإيمان الديني تُكنّه الجماهير لزعيمها الذي أرسلته العناية الإلهية، والعامل الثاني المماهاة غير العقلانية للزعيم، هذان العاملان يجعلان من الشعبوية ضربًا من “اللاهوت السياسي”، ومن ثمَّ يصبح الزعيم الشعبي عبارة عن صورة من النبي المخلِّص، فهو لا يتكلم بإرادة خاصة به، بل يتكلم بوصفه وعاء لإرادة الشعب صاحب السيادة، فهو فم الشعب وأداته، وهذا ما عبَّر عنه لويس الرابع عشر عندما قال: “أنا الدولة”، وهوغو تشافز عندما قال: “أنا لستُ نفسي.. أنا الشعب”، وقوله: “أنا لست شافيز، نحن جميعًا شافيز”، وهو ما عبَّر عنه دونالد ترامب أيضًا عندما قال: “الشعب فاز بالبيت الأبيض”، فالزعيم الشعبوي يزعم أن الذي يتكلم ليس هو، بل الشعب عبر لسانه الذي هو أداة الشعب في التعبير عن نفسه.
إن هذا التجسيد للشعب في شخص الزعيم يعفيه من تهمة موالاة مؤسسة الحكم، كما يجعل منه مجرَّد وكيل عن الشعب وأداته العليا، ومن ثمَّ فإن فكرة التمثيل بوصفه تجسيدًا تؤدي إلى خلق زعيم متجرِّد من المسؤولية، وغياب المسؤولية يفيد بأن الشعب هو المتصدِّر في شخص الزعيم، ومن ثم لا يمكن محاسبته سياسيًّا، لأن الشعب المتجسِّد في الزعيم لا يمكن أن يكون شريرًا أو مخطئًا، لذلك يعتمد الزعيم غير المسؤول اعتمادًا كبيرًا على نظرية المؤامرة كورقة لتبرير سوء ممارسته للحكم، وبناءً على ذلك فإن المساءلة السياسية عملة غير متداولة في الشعبوية.
الفكرة من كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
تتحدث المؤلفة عن الشعبوية وتكشف أنها ظاهرة قديمة وليست حديثة، إلا أن ما يُميزها اليوم عن الأمس أنها أصبحت متفشية في جميع البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية، وتُبين أن الشعبوية في صورتها الحالية تُعد واحدة من أنماط الحكم التمثيلي المشوّه، الذي يهدف إلى إحلال الديمقراطية الشعبوية بوصفها تجسيدًا للشعب محل الديمقراطية الحزبية بوصفها تفويضًا من الشعب، ومن ثمَّ توضِّح أن الشعبوية عبارة عن علاقة مباشرة بين الزعيم الشعبوي والشعب الصالح دون أي وسطاء كالأحزاب، وأنها تظهر نتيجة تآكل الأحزاب السياسية التقليدية، كما استعرضت الدور الذي يقوم به الزعماء الشعبويون في المعارضة وبعد الوصول إلى السلطة من أجل الحفاظ على مكانتهم بين جمهور المتلقين.
مؤلف كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
ناديا أوربيناتي : هي أستاذة كرسي للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا، من كتبها:
Mill on Democracy.
معلومات عن المترجم:
عماد شيحة: هو كاتب ومترجم وروائي سوري، تخرج في كلية العلوم بجامعة دمشق، كما حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، من أعماله:
رواية “موت مشتهى”.
رواية “غبار الطلع”.
من ترجماته:
صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط.
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.