مقدمة لا بد منها
مقدمة لا بد منها
تعد قضية اللباس من القضايا المهمة، ليست مسألة تُعنى بالشكل الخارجي فحسب، وإنما هي انعكاس لثقافات وقيم وحضارات الأمم وتوجهات الأفراد، فالزي الإسلامي مثلًا على الرغم من التغيرات الزمانية والمكانية والتطورات الحضارية قد ظل محافظًا على سمته العام وخصائصه الأساسية وضوابطه العامة لأن له في التشريع أصلًا ومعيارًا ولأنه يمثل قيمًا إسلامية معينة لا تتغير.
علينا أن نؤصِّل ابتداء لكون الزي يمثل أحد مظاهر التزام الإنسان المسلم بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فنقول إن التزامه بالتشريع الإسلامي في مسألة اللباس يعد عبودية كغيرها من سائر أنواع العبوديات، وهي بهذه العبودية تتحرر من عبوديات أخرى تريد التوجهات المادية والصناعات الغربية أن توقعها في شباكها، فتجعلها أسيرة مستحضرات التجميل والعمليات التجميلية ومنتجات العناية بالبشرة والملابس الجديدة المتنوِّعة وآخر صيحات الموضة وعروض الأزياء، بل وتحصرها في كيلوجرامات معينة حتى لا تخرج عن النموذج المطروح طولًا ووزنًا، فقد حُدِّدت معايير الجمال وعُدَّ الخروج عنها خروجًا من دائرة الجمال، وهكذا نجد أشكالًا متعدِّدة لما أسماه الإسلام بالتبرُّج، ويصعب حصرها، فهي في تجدُّد كل يوم، وذلك لارتباطها الوثيق بالشهوة الإنسانية، بعيدًا عن الأسماء المزخرفة التي يطلقونها كالجمال والفن والموضة والإبداع، فخلف ذلك كله سُعار جنسي ورغبة في استهلاك المرأة والرجل وحصرهما في أجسادهما فقط، والشهوة لا حد لها بالطبع، وبالتالي فإن أشكال التبرُّج لا حد لها أيضًا.
ونجد على العكس تمامًا من مقصود وغاية الحجاب الشرعي، فهو ذو وجهة واحدة ومقصد واحد لا يريد بالمرأة أن تصرف غاية جهدها وتحصر قيمتها في مجرد أشياء تتغير وتتبدل كل يوم، لا يريد منها أن تصبح أداة أو شيئًا يُستعمل للترويج لتلك الأفكار والمنتجات، لا يريدها أن تصبح مشاعًا متداولًا هنا وهناك، لا يريد منها أن تنشغل بهوامش الحياة وتصرف فيها جل وقتها وتفكيرها بعيدًا عن الأصول والغايات العظمى، فتفسح بذلك لنفسها المجال في الحياة للعمل، والإسلام أفسح لها المجال أيضًا في الزواج لتلبي فيه احتياجاتها الفطرية للتزيُّن، الإسلام لا يريد للمرأة والرجل على حد سواء أن يلتفتا عن الغاية العظمى والمهمة الكبرى لينحصرا في أجسادهما، بل يريد منهما أن يسجلا حضورًا بارزًا في الحياة.
الفكرة من كتاب فلسفة الزي الإسلامي
تصوُّر القضايا الإسلامية بشكل مفصل وبإسقاط على الواقع المعيش يساعد على فهم مقاصد وغايات تلك القضايا والتشريعات الإسلامية، والنظر إليها من أفق أوسع وفهم التشابك الحاصل في الواقع يجعلها تنزل على القلب الصادق والعقل المنصف منزلها الصحيح، ننظر هنا مع الكاتب إلى قضية الزي الإسلامي نظرة مفصَّلة واعية واقعية لنرى الصورة بشكل أوضح.
مؤلف كتاب فلسفة الزي الإسلامي
أحمد الأبيض: طبيب وباحث في القضايا الاجتماعية، أثناء المرحلة الجامعية أسهم في تحريك الحياة الثقافية والعلمية في الجامعة في تونس، فكان يقوم بتقديم المحاضرات العلمية في مختلف الكليات وفي النوادي الثقافية أيضًا، له العديد من المؤلفات منها:
أشكال التعبير.
فن حوار الأنوثة والذكورة.
فلسفة الدعاء.