النهضة الاقتصادية ورأس المال البشري
النهضة الاقتصادية ورأس المال البشري
يرى المؤلف أن بلدان العالم الثالث تحذو حذو الدول الرأسمالية في وضع خططها بالأسلوب نفسه، وهي تعلم أن هذه الخطط لا تنفذ إلا على شروط تلك الدول، ولن تخلو هذه الشروط من بعض الرواسب الاستعمارية، لذلك تفشل فشلًا ذريعًا، لأنها تحوي منذ البداية على بذور الفشل، أما أن تختار البلاد المتخلفة اقتصاديًّا بنفسها أسلوب التنمية الرأسمالي فهذا أغرب، لأنها تكون كما لو قررت مبدئيًّا أن تضع عملها من أجل النهوض الاقتصادي، تحت رحمة الآخرين في سجن المؤسسات المالية العالمية.
لم تكن قضية الإمكانيات المالية هي السبب الرئيسي في نهضة ألمانيا، وإنما كان أحد المنشطات فيما بعد لعملها الجبار، وفي تلك التجربة الرائدة المعبرة عن إرادة حضارة استطاع بفضلها الشعب الألماني استعادة مكانه بفرض وجوده في عالم الاقتصاد، وبصورة تجعل المراقبين يصفون تلك التجربة بالمعجزة، لكن هذه التجربة ليست خاصة بالشعب الألماني، بل هي معجزة تتكرر كلما تحرك النشاط البشري على أساس إرادة حضارية، كما تكررت فعلًا في أقصى البلاد الشرقية تجربة اليابان الرائعة، فهذه الدولة لم تعد إلى مركزها الدولي قبل الحرب، بل أصبحت اليوم تحتل رتبة الدولة الاقتصادية الثالثة في العالم.
فالقضية إذن، بالنسبة للعالم الإسلامي، لا تتوقف على العرق أو على الإمكانيات المالية، ولكنها قضية تعبئة الطاقات الاجتماعية، أي الإنسان والتراب والوقت في مشروع تحركه إرادة حضارية لا تتوقف أمام الصعوبات، ولا يأخذها الغرور في شبه تعالٍ على الوسائل البسيطة التي في حوزتنا الآن، فالصين الحديثة، خرجت من العدم فتحولت كل معالمها، كما حولت من أجل بناء سدودها وطرقها مليارات الأمتار المكعبة من التراب، لا بالآلات الحافرة والناقلة المفقودة أصلًا، ولكن بفضل سواعد أبنائها وعلى أكتافهم، تحدوهم الأسطورة المعبرة عن طاقة الإنسان عندما تحركه إرادة حضارية.
الفكرة من كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لتصفية الفكر الإسلامي في الأذهان مما علق به من بعض العُقد التي قد تستولي على اجتهاده في مجال الاقتصاد، طبقًا لمبادئ ومسَلمات مذهبية معينة ترى حتمية اختيار لا فرار منه بين أفكار ونظم الرأسمالية أو الماركسية، دون التفكير في اكتشاف طريق ثالث وفقًا للتصور الإسلامي لفقه الحضارة، كما يكشف بجلاء عن الدور الأساسي والخفي للمعادلة المجتمعية وأثرها في عملية تشكيل الحضارة وصنع التنمية الاقتصادية المستدامة.
مؤلف كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
مالك بن نبي: عالم ومفكر إسلامي، ولد في مدينة تبسة بالجزائر عام 1905م.
يعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، وهو من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.
عمل مستشارًا لمنظمة التعاون الإسلامي، وعُين مديرًا عامًّا للتعليم العالي في الجزائر.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
شروط النهضة.
الظاهرة القرآنية.
مشكلات الحضارة.
وجهة العالم الإسلامي.
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
توفي مالك بن نبي في الجزائر يوم الـ31 من أكتوبر عام 1973م.