الحضارة والاقتصاد
الحضارة والاقتصاد
إن الأقدار لم تظلم أحدًا، وإنما تقوم الأمور على سنن لا تغيير لها، تربط المسببات بأسبابها- سنة الله في خلقه – فالتغيرات التي نشاهد نتائجها بعد مدة طويلة في عالم الاقتصاد، أحيانًا هي في جوهرها تغيرات حضارية تصيب القيم والأخلاق في منعطفات التاريخ، فتتغير معالم الحياة بتحول الإنسان نفسه في إرادته واتجاهه، عندما يدرك معنى جديدًا لوجوده في الكون طبقًا للآية الكريمة: ﴿إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
ولو تدبر علماء الاقتصاد المسلمون هذه الآية السابقة لأدركوا أنها تضع هذه القضية (الحضارة) وغيرها مما يخص أوضاع المجتمعات أولًا في مستوى تغير مسوغات الوجود في المجال النفسي، أو بمعنى أوضح في المستوى الحضاري، فالاقتصاد مهما كانت نوعيته المذهبية فهو عبارة عن تجسيم للحضارة، على شرط أن نحددها بصفتها مجموعة الشروط المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يقدم جميع الضمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه.
ويوضح الكاتب تجربتين لفهم هذا المعنى؛ إحداهما في تاريخ الأمة الإسلامية العربية، والأخرى في تاريخ أمة معاصرة هي ألمانيا، فالأمة العربية في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم انطلقت من نقطة الصفر من حيث الإمكانيات، لم يكن لديها شيء للقيام بمهامها الجسيمة في المجال الاجتماعي والسياسي والعسكري على حد سواء، ولكننا رأيناها منذ اللحظة الأولى تقوم بمهامها دون إهمال أو إرجاء، كما نرى أيضًا هذه الظاهرة في عالمنا الحديث، فترى دولة محطمة مثل ألمانيا تعيد بناء نفسها من نقطة الصفر، أي بلا إمكانيات بالنسبة لما أنجز فعلًا.
الفكرة من كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لتصفية الفكر الإسلامي في الأذهان مما علق به من بعض العُقد التي قد تستولي على اجتهاده في مجال الاقتصاد، طبقًا لمبادئ ومسَلمات مذهبية معينة ترى حتمية اختيار لا فرار منه بين أفكار ونظم الرأسمالية أو الماركسية، دون التفكير في اكتشاف طريق ثالث وفقًا للتصور الإسلامي لفقه الحضارة، كما يكشف بجلاء عن الدور الأساسي والخفي للمعادلة المجتمعية وأثرها في عملية تشكيل الحضارة وصنع التنمية الاقتصادية المستدامة.
مؤلف كتاب المسلم في عالم الاقتصاد
مالك بن نبي: عالم ومفكر إسلامي، ولد في مدينة تبسة بالجزائر عام 1905م.
يعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، وهو من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.
عمل مستشارًا لمنظمة التعاون الإسلامي، وعُين مديرًا عامًّا للتعليم العالي في الجزائر.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
شروط النهضة.
الظاهرة القرآنية.
مشكلات الحضارة.
وجهة العالم الإسلامي.
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
توفي مالك بن نبي في الجزائر يوم الـ31 من أكتوبر عام 1973م.