ومضات حياتية
ومضات حياتية
بدأ اهتمام جلال أمين بالسياسة منذ صغره عندما كان في الثانية عشرة من عمره، حيث كانت مذكراته الشخصية تحتوي جزأين؛ جزءًا خاصًّا بالعائلة وجزءًا خاصًّا بالأحداث السياسية، كما كان لكثرة الأحداث السياسية في هذه الفترة أثر لتوطيد هذا الاهتمام.
لم يخلُ الاهتمام بالسياسة من عدة خيبات للأمل أصيب بها جلال أمين، حيث لم يلبث الفرح بقيام ثورة 1952 إلا القليل حتى قامت خلافات بين رجال الثورة انتهت بعزل محمد نجيب عن الحكم، والذي كان يعشقه المصريين لشدة ارتباطه بالثورة ونزاهته، ثم تبع ذلك اتفاقية الجلاء التي قام بها عبد الناصر عام 1954، والتي تنصُّ على حق الإنجليز في العودة إلى احتلال قناة السويس إذا حدث اعتداء خارجي على الدولة، كما وصلت الدولة البوليسية أوج نشاطها في عصر عبد الناصر حتى وصل بها الأمر إلى إرسال من يكتب تقارير عن من يقيمون في الخارج من أمثال جلال أمين الذي كان قد أرسِل لقضاء بعثته الدراسية، ثم جاءت بعد ذلك هزيمة ونكسة 1967، ثم انتصار حرب أكتوبر 1973 الذي فرح به فرحًا شديدًا، ثم تحوَّل هو الآخر بعد أسبوعين فقط إلى هزيمة بتحدُّث السادات عن السلام والتراجع ثم دعوته إلى التصالح مع إسرائيل، تولَّى بعد ذلك حسني مبارك للحكم، بدأت فترة حكمه كالعادة ما يبشر ببداية عصر جديد من الحريات، لكن لم تلبث بعد مدة من الزمن في العودة إلى ما كانت عليه من قبل.
ويتساءل جلال أمين والحال كهذا حيث تتكرَّر الأحداث والتجارب مرة بعد أخرى، هل يتحتَّم على كل جيل أن يمر بالتجربة نفسها أم أن هناك أملًا في الاستفادة من تجارب السابقين؟ وأن ينقل كل جيل تجربته للجيل الذي يليه كي لا يكرِّر التجربة مرة أخرى؟
قرَّر جلال أمين منذ صغره السعي وراء التميُّز في الكتابة، كان أحب أنواع الكتابة إليه هي التي تجمع بين حدث خاص يتعلَّق به وقضية عامة في المجتمع، اشتهر أول كتب جلال أمين، والذي يحمل عنوان ماذا حدث للمصريين، والذي تناول التغير الذي طرأ على عدة جوانب من المجتمع المصري خلال خمسين عامًا مرت.
كان جلال أمين يميل في آخر حياته كمعلم إلى التقليل من الخوض في التفاصيل وعدم تضييع الوقت في شرح نظريات من الماضي، والاهتمام أكثر بالحديث عن الجوانب الشخصية لجيل الاقتصاديين أصحاب النظريات التي تدَرس لشعوره بأن ما يتركه هذا الحديث من أثر يكون أعمق في النفس وأكثر دوامًا، والذي ربما يكون أفضل من الحديث حول كثير من النظريات التي قد لا توجد إلا في الكتب.
الفكرة من كتاب ماذا علمتني الحياة؟
لا يحتاج كاتب السيرة الذاتية أن يكون شخصًا عظيمًا أو كاتبًا مرموقًا، فكل شخص لديه في مسيرة حياته ما يستحق أن يُروى، فالتمثال الجميل يكمن داخل كل قطعةٍ من الحجارة حتى ولو بدت في الظاهر مجرد قطعة حجارة عادية.
نسير معًا في رحلة مع الكاتب يتحدَّث فيها عن حياته لمحاولة اكتشاف هذا التمثال الجميل بين التفاصيل.
مؤلف كتاب ماذا علمتني الحياة؟
جلال أمين: سياسي واقتصادي مشهور وُلِد عام 1935م، تتميَّز حياته بكثرة الأحداث التي عاصرها والمراحل التي مرَّ بها، تخرَّج في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم سافر إلى لندن لتحضير الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد، مرَّت حياته العملية معظمها في وظيفة التدريس بالجامعة.
له عدة مؤلفات منها: “كتاب ماذا حدث للمصريين؟”، و”خرافة التقدُّم والتخلُّف”.