ثورتا الصين ورومانيا وأحوال أوروبا الشرقية
ثورتا الصين ورومانيا وأحوال أوروبا الشرقية
بدأت ثورة الصين بمظاهرة بسيطة لتكريم قبر الأمين العام للحزب الشيوعي السابق، لكنها انتهت بقمع من جيش التحرير الشعبي الصيني، فتحولت المطالب إلى انتقاد الفساد والمطالبة بالحريات، وأعلن النظام الأحكام العرفية ونشر قوات الجيش، لكنها افتقدت العتاد اللازم لمكافحة الشغب فتم سحبها، ومع زيادة المظاهرات نزل الجيش مرة أخرى مسلحًا برصاص حي وأنهى الثورة بعدد كبير من القتلى.
كان من أهم العوامل العسكرية التي أثرت في استجابة الجيش هنا التماسك الداخلي، لأن سيطرة الحزب الشيوعي على الجيش كانت أهم سمة في العلاقات المدنية العسكرية، كما نجح الضباط الكبار بإقناع الجنود بسوء نوايا المتظاهرين، وكانوا مقتنعين جميعًا بشرعية النظام، وبالنسبة إلى العوامل المتعلقة بالدولة فكان العامل الأهم هو عدم تلقي أوامر واضحة قبل الانتشار الأول.
وبالنسبة إلى العوامل المجتمعية، خاف الجنرالات من إمكانية تودد الثوار للجنود، وشعروا بالتهديد من الانتشار الثوري بعد انهيار الحكم الشيوعي في بولندا والمجر، لكن كل ذلك لم يغير من أن الجيش الصيني هو جيش الحزب ومن ثم كان طبيعيًّا أن ينفذ الأوامر.
أما رومانيا، فكانت دولة ديكتاتورية شيوعية تفرض رقابة شديدة على مواطنيها وتقمع المعارضة تحت حكم نيكولاي تشاوشيسكو الذي كرهه الشعب. بدأت المظاهرات باحتجاج على طرد قس معارض وانتشرت بسرعة حتى أمر الحاكم بقمعها بالذخيرة الحية، وظن أن الثورة انتهت وسافر إلى طهران، ثم عاد ليجد الثورة منتشرة والجيش منقسمًا، فألقى اللوم على وزير دفاعه الذي مات بعدها بدقائق ليصبح شهيد الثورة، ووقتها انضم باقي القادة إلى الثورة، وتشكلت حكومة انتقالية قررت قتل الحاكم الهارب، وبمجرد الإعلان عن وفاته خفتت أصوات الرصاص.
يرجع رد فعل قادة الجيش هنا إلى أنهم لم يكونوا راضين عن سياسات تشاوشيسكو، وبخاصة عن انخفاض الميزانية المخصصة لهم، في حين أن المدنيين احتفظوا بتقدير عال لجيشهم لأنه نادرًا ما شارك في القمع الداخلي ولم يكن هناك فرق بين القوات المسلحة والشعب، فلم يطلق الجنود النار إلا في حالات نادرة، كما تأثر القادة بالدعم الشعبي للثورة.
اختلف الأمر في باقي دول أوروبا الشرقية التي كانت خاضعة لحكم شيوعي وقررت الخلاص منه، ففي بولندا والمجر حدث انتقال سلمي للسلطة، وفي ألمانيا الشرقية وقف الجيش بجانب الشرطة ولم يُطلق أي منهما الرصاص، وفي تشيكوسلوفاكيا لم يتحرك الجنود من ثكناتهم أصلًا، وفي بلغاريا لم يجرؤ الحاكم على استدعاء الجيش. كانت هذه الجيوش متماسكة نسبيًّا لكن المهم هنا أنها لاحظت افتقار الأنظمة للدعم الشعبي.
الفكرة من كتاب كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟
يعرض الباحث زولتان باراني في كتابه جانبًا من الثورات لم ينل حظه من البحث والتحليل، وهو استجابات الجيوش للثورات والعوامل المؤثرة فيها، ويتبنى الكاتب حجتين يحاول إثباتهما في كتابه؛ الأولى تقول إن استجابة القوات المسلحة لأي انتفاضة تمثل أمرًا أساسيًّا في نجاحها أو فشلها، والثانية تقول إنه يمكن التنبؤ الصحيح بكيفية استجابة جيش ما نحو ثورة إذا درسنا الجيش وعلاقته بالدولة والمجتمع.
يهدف الكاتب إلى شرح الثلاثة نتائج الممكنة لرد فعل الجيوش، إما بتأييد الثورة وإما بمعارضتها وإما بالانقسام. وذلك بالتطبيق على حالات حقيقية بعضها عاصرناها والبعض الآخر بالتأكيد سمعنا عنها.
مؤلف كتاب كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟
زولتان باراني: بروفيسور في جامعة تكساس، يُدرس من عام 1991 وهو باحث غير مقيم في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن العاصمة. ركزت أبحاثه وكتاباته على السياسة العسكرية، وإرساء الديمقراطية على مستوى العالم.
من أعماله: هل الديمقراطية قابلة للتصدير؟ – Ethnic Politics After Communism
معلومات عن المترجم:
عبد الرحمن عياش: باحث ومترجم وصحفي مصري. حاصل على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة بهتشه شهير في إسطنبول. تركز أبحاثه على الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وحقوق الإنسان والعلاقات المدنية العسكرية.
من ترجماته: كيف تعمل الدكتاتوريات؟