البنيوية
بعد انخفاض نجم الوجودية صعدت موضة جديدة على مسرح الفلسفة، ألا وهي الفلسفة البنيوية، مؤمنة بأنه لا يمكن فهم الظواهر المحيطة بالإنسان عن طريق عزل إحداها عن الأخرى، لأن الظواهر تكون متداخلة ومترابطة صانعة نسقًا يتضح المعنى فيه من خلال علاقاتها بعضها مع بعض، وتعود أصولها إلى كلود شتراوس، الذي حاول البحث عن طابع النسق أو النظام الذي يحكم الأشياء لكي يجد العلاقات بين الأجزاء، وتنقسم الفلسفة البنيوية إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول الكلية وهي العلاقة المميزة للبنية، والثاني التحول وهو التغيرات التي تحدث في الكليات، والثالث التنظيم الذاتي وهو انغلاق وتنظيم التغير لنفسه.
نشأت الفلسفة البنيوية نتيجة تطور المجتمعات الحديثة بسبب الصناعة وارتقاء أفرادها، وتصاعد النزعة الثورية على المذاهب القديمة والجامدة، في حين حاولت العلوم الإنسانية التطور واللحاق بركب العلوم الطبيعية، فلجأت البنيوية إلى علوم اللسان بقسميها اللغة والكلام، وقسمتها إلى جزأين رئيسين هما: اللغويات الداخلية وهي قواعد اللغة، ولغويات خارجية وهي علاقات اللغة بالدوائر الأخرى المحيطة بالإنسان، فاهتمت باللغة ليس من خلال دراسة صور تطورها من منظور تاريخي بل من تفاعلها مع العالم والإنسان والتعبير عنهما.
ثم اتجهت الفلسفة البنيوية إلى علم دراسة الإنسان وهو الأنثروبولوجيا، وحاولت فهم بيئته بصورة عملية أكثر عبر تحويل النظم الاجتماعية والثقافية إلى أنساق لغوية ليسهل تحليلها، فالزواج والمصاهرة والقرابة وسائر التعاملات السائدة في مجتمع ما تعبر عن لغة خاصة ونمط تواصل بين الأفراد والجماعات، يختزل بداخله الكثير عنهم وعن تصوراتهم، واستطاعت أن تفسر بذلك الظواهر الرمزية والأساطير الشعبية للمجموعات البدائية.
الفكرة من كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
لطالما تم اعتبار الفلسفة شيئًا معقدًا لا غاية له، وأن الفلاسفة أناس لا هموم لهم، ينعزلون عن حياة المجتمع في برج عاجي ليتفرغوا للتنظير والتفكير في قضايا لا يهتم بها أحد سواهم، ولكن كلا الفكرتين نتاج سوء فهم كبير لطبيعة الفلسفة، فهي كأي علم له مصطلحاته الخاصة ويجب بذل جهد لدراسة مسائله التي يعتني بها، والنظر القاصر للفلاسفة إنما هو بسبب عزلهم عن محيطهم الاجتماعي والتاريخي، فالفيلسوف الحقيقي يعبر عن المشكلات التي تتصدر في عصره.
ولأن الفلسفة ظهرت مع ظهور الإنسان، فمن الصعب الإحاطة بكل تاريخها ومدارسها، ولكن سنكتفي بأن نعرض المدارس المعاصرة في الفلسفة، التي لها التأثير الأكبر في واقعنا، وهي بالترتيب: البراجماتية ثم الوجودية ثم البنيوية ثم التحليلية.
مؤلف كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
محمد مهران رشوان: دكتور مصري الجنسية ولد في عام 1939م بمحافظة سوهاج، حصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة وظهر نبوغه، ثم حصل على درجة الماجستير في الدراسات المنطقية تحت إشراف الدكتور زكي نجيب محمود، ثم حصل على الدكتوراه عام 1974 م.
تعددت رحلاته الدراسية بين باريس ولندن والقاهرة وحتى الإمارات، وتدرج في الوظائف الجامعية حتى رأس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، ثم شغل منصب عميد كلية آداب بني سويف حتى عام 2005م.
له العديد من الإسهامات الفلسفية المهمة، أشهرها “مدخل إلى المنطق الصوري” و”مبادئ التفكير المنطقي” و “فلسفة برتراند راسل”.
محمد مدين: دكتور في كلية الآداب جامعة القاهرة، له مؤلفات مهمة في الفلسفة مثل: “الفلسفة الأمريكية المعاصرة” و”فلسفة هيوم الأخلاقية”.