الوجودية
يطلق على الوجودية فلسفة القرن العشرين، فهي صاحبة التأثير الأكبر فيه، وقد نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة معاناة الإنسان في بحثه عن غايته في الحياة، وسط ظروف الفوضى والحرب والطابع الآلي للمجتمعات الصناعية التي تتجه نحو محو الفردية وتشييء الإنسان وإخضاعه للمادية العقلية المفرطة، وتهتم الفلسفة الوجودية بالوجود الفعلي للإنسان، وتدرس المشكلات المرتبطة به مثل الحرية والموت والمسؤولية وعلاقاته مع العالم ونفسه.
تعود أصول الفلسفة الوجودية إلى الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيغارد، وصولًا إلى سارتر وهيدجر ومارسيل، الذين سخروا الأدب كالروايات والمسرحيات لخدمة الفلسفة الوجودية والتعبير عن مشكلاتها بشكل أكثر وضوحاً لتسهيل وصولها إلى الجماهير وتشربها.
تتعدد سمات الفلسفة الوجودية، فأول تلك السمات أنها تضع الفرد في المركز وتولي اهتمامًا كبيرًا بتجربته الذاتية، والسمة الثانية أنها تميز بين الذات والموضوع والماهية والوجود، أما السمة الثالثة أنها ترفض إطلاق العقل والتفكير المجرد، والسمة الرابعة أنها تربط بين الحرية والضرورة فالموقف الذي أضطر إلى الاختيار فيه هو حدود حريتي، والسمة الخامسة والأخيرة أنها ترى الحياة سلسلة من الأحداث العرضية والعبثية، وأن الخوف والقلق هما النتاج الطبيعي لها، وغاية ما يمكن للفرد فعله هو البحث عن ماهيته أو قيمته الخاصة والالتزام بها في نطاق مواقف حياته.
ورغم مزايا الوجودية التي أعادت الاهتمام إلى الإنسان ومشكلاته الفعلية، فقد وجهت لها العديد من الانتقادات، منها: صبغ الوجود بنزعة فردية متطرفة، وتغذية التشاؤمية والانهزامية واليأس، وكذلك عدم وضوح مصطلح الحرية أدى إلى انتشار الإباحية ونزع القيم الأخلاقية والمبادئ، وأنها أنقصت الوعي باللحظة والسياق التاريخي لكبار فلاسفتها وهو ما اتضح في كثرة تخبطتهم وانتقالهم بين الأيديولوجيات.
بجانب ذلك فإن اختفاء الماهية أو المعنى الذي يسبق وجود الإنسان حوله إلى شيء فاقد القيمة لا هدف له أو تعريفًا واضحًا، وأخيرًا قادت إلى الإلحاد عبر تأليه الإنسان وهو ما ظهر في كتابات نيتشه وسارتر.
الفكرة من كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
لطالما تم اعتبار الفلسفة شيئًا معقدًا لا غاية له، وأن الفلاسفة أناس لا هموم لهم، ينعزلون عن حياة المجتمع في برج عاجي ليتفرغوا للتنظير والتفكير في قضايا لا يهتم بها أحد سواهم، ولكن كلا الفكرتين نتاج سوء فهم كبير لطبيعة الفلسفة، فهي كأي علم له مصطلحاته الخاصة ويجب بذل جهد لدراسة مسائله التي يعتني بها، والنظر القاصر للفلاسفة إنما هو بسبب عزلهم عن محيطهم الاجتماعي والتاريخي، فالفيلسوف الحقيقي يعبر عن المشكلات التي تتصدر في عصره.
ولأن الفلسفة ظهرت مع ظهور الإنسان، فمن الصعب الإحاطة بكل تاريخها ومدارسها، ولكن سنكتفي بأن نعرض المدارس المعاصرة في الفلسفة، التي لها التأثير الأكبر في واقعنا، وهي بالترتيب: البراجماتية ثم الوجودية ثم البنيوية ثم التحليلية.
مؤلف كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
محمد مهران رشوان: دكتور مصري الجنسية ولد في عام 1939م بمحافظة سوهاج، حصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة وظهر نبوغه، ثم حصل على درجة الماجستير في الدراسات المنطقية تحت إشراف الدكتور زكي نجيب محمود، ثم حصل على الدكتوراه عام 1974 م.
تعددت رحلاته الدراسية بين باريس ولندن والقاهرة وحتى الإمارات، وتدرج في الوظائف الجامعية حتى رأس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، ثم شغل منصب عميد كلية آداب بني سويف حتى عام 2005م.
له العديد من الإسهامات الفلسفية المهمة، أشهرها “مدخل إلى المنطق الصوري” و”مبادئ التفكير المنطقي” و “فلسفة برتراند راسل”.
محمد مدين: دكتور في كلية الآداب جامعة القاهرة، له مؤلفات مهمة في الفلسفة مثل: “الفلسفة الأمريكية المعاصرة” و”فلسفة هيوم الأخلاقية”.