الخلفية العلمية والفلسفية للفكر المعاصر
الخلفية العلمية والفلسفية للفكر المعاصر
لكل عصر سماته الحاكمة لإطار علومه، وامتاز الفكر في القرن السابع عشر بعاملين مهمين، الأول هو تقلص سلطة الكنيسة على الحياة الفكرية، والثاني هو ازدياد نفوذ العلم التجريبي، مما هدد المكانة السامية التي تحتلها الفلسفة منذ عصر اليونان، فتعرضت لتغيرات جذرية بسبب صدامها مع العلم، كان أولها تغير الاتجاه الرائد في الفكر من محاولة فهم العالم إلى محاولة تغييره، وثانيها انحصار المعرفة في التجربة الذاتية الفردية، وثالثها إنكار الغيبيات بالتدريج، ورابعها تنحية الإنسان من مركزيته خطوة بخطوة.
وخامسها تحول طريقة البحث العلمي من الاستنباط وهو الانتقال من الكليات إلى الجزئيات إلى المنهج الاستقرائي التجريبي وهو العكس، نلاحظ كيف انتقلت إلى العقل والحواس مركزيةُ الفكر، الأمر الذي استدعى ظهور النزعة الرومانسية في القرن الثامن عشر، ونادى منظرها الأكبر روسو بالعودة إلى نموذج الإنسان الطبيعي المعتمد على أحكامه الغريزية وانفعالاته البدائية، بهدف تحرير الفرد من سيطرة العقل والأعراف المجتمعية.
ظل الاتجاهان في صراع مع غلبة واضحة للعقلانية، بسبب انتشار الحروب والفوضى ونمو الصناعة وتحرر رأس المال، وأخيرًا ثورة المخترعات في القرن التاسع عشر، الذي من سماته: اتساع الحياة الفكرية من أوروبا إلى العالم، وتحقيق انتصارات علمية كبيرة، وظهور الإنتاج الآلي الصناعي، وتراكم الثورات العلمية والسياسية، وأخيرًا ظهور نظرية داروين محدثة ثورة في العلوم التطبيقية، وامتد أثرها إلى العلوم الإنسانية.
وفي ظل ذلك المزيج الهائل من التراث الفكري والعوامل المؤثرة، بجانب الديمقراطية الفكرية التي كانت انعكاسًا للحرية السياسية في مجتمعات أوروبا والتي سمحت للفلاسفة تبادل الأفكار والمذاهب ومناقشتها، صعبت مهمة التمييز المطلق بين الاتجاهات الفلسفية أو تقسيمها تقسيمًا دقيقًا دون شيء من التجاوز والإغفال.
الفكرة من كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
لطالما تم اعتبار الفلسفة شيئًا معقدًا لا غاية له، وأن الفلاسفة أناس لا هموم لهم، ينعزلون عن حياة المجتمع في برج عاجي ليتفرغوا للتنظير والتفكير في قضايا لا يهتم بها أحد سواهم، ولكن كلا الفكرتين نتاج سوء فهم كبير لطبيعة الفلسفة، فهي كأي علم له مصطلحاته الخاصة ويجب بذل جهد لدراسة مسائله التي يعتني بها، والنظر القاصر للفلاسفة إنما هو بسبب عزلهم عن محيطهم الاجتماعي والتاريخي، فالفيلسوف الحقيقي يعبر عن المشكلات التي تتصدر في عصره.
ولأن الفلسفة ظهرت مع ظهور الإنسان، فمن الصعب الإحاطة بكل تاريخها ومدارسها، ولكن سنكتفي بأن نعرض المدارس المعاصرة في الفلسفة، التي لها التأثير الأكبر في واقعنا، وهي بالترتيب: البراجماتية ثم الوجودية ثم البنيوية ثم التحليلية.
مؤلف كتاب مقدمة في الفلسفة المعاصرة
محمد مهران رشوان: دكتور مصري الجنسية ولد في عام 1939م بمحافظة سوهاج، حصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة وظهر نبوغه، ثم حصل على درجة الماجستير في الدراسات المنطقية تحت إشراف الدكتور زكي نجيب محمود، ثم حصل على الدكتوراه عام 1974 م.
تعددت رحلاته الدراسية بين باريس ولندن والقاهرة وحتى الإمارات، وتدرج في الوظائف الجامعية حتى رأس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، ثم شغل منصب عميد كلية آداب بني سويف حتى عام 2005م.
له العديد من الإسهامات الفلسفية المهمة، أشهرها “مدخل إلى المنطق الصوري” و”مبادئ التفكير المنطقي” و “فلسفة برتراند راسل”.
محمد مدين: دكتور في كلية الآداب جامعة القاهرة، له مؤلفات مهمة في الفلسفة مثل: “الفلسفة الأمريكية المعاصرة” و”فلسفة هيوم الأخلاقية”.