السبيل إلى تحديد المفهوم
السبيل إلى تحديد المفهوم
هناك طريقان يمكن من خلالهما تأطير مفهوم الخوارج: أولًا المحدِّد القولي الاعتقادي، أي قولهم بكُفر مسلمٍ دون وجود موجِب للتكفير، وثانيًا المحدِّد العملي، وهو استحلال الدماء والقتال بناءً على الاعتقاد بالكُفر، والمُخالفة، ومن المُفارقات العجيبة، والتي تدعو إلى الاستغراب، أن هذين المحدِّدين أو الطريقين اللذين غالى فيهما الخوارج من تكفير وقتال، شدَّدت وحذَّرت الشريعة كثيرًا من قُربهما؛ فحذَّر النبيُّ الكريم (صلى الله عليه وسلَّم) من تكفير المسلم لأخيه المسلم لأن هذا موجِبٌ لأن يبوء بهذا الإثم أحدهما، أما في حرمة الدماء المسلمة فقد توعَّد ربنا (جل وعلا)﴿وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا﴾، وقد نتج عن هذا الانحراف في الاعتقاد والسلوك عدَّة مشكلات، والتي يتمثَّل سببها في الجمع بين الجهل، والهوى، فهم لم يتعمَّدوا مخالفة الوحي، بل نبع انحرافهم من سوء فهمهم للوحي، وكان لهذا الجهل عدة أسباب وسمات، منها صغر السن، فقد كان أغلبهم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) “حدثاء الأسنان” وحداثة سنهم مقترنة في أغلب الأوقات بالعجلة، وقلة النضج
وضعف التجربة، وقلة الخبرة، وهناك سمة أخرى وهي السفه، وهذا ناتج عن قصورهم في تقدير الأمور، وأيضًا الكِبر والتعالي، فقد امتلأت نفوسهم بالعجب والغرور، وقد اتسمت عبادتهم بالغلو حتى إن صلاتهم وقراءتهم للقرآن كانت أفضل من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان من ظاهر كلامهم أنهُ حسن، فعلى الرغم من انحرافهم الفكري والعقدي، فإنهم كانوا أصحاب منطقٍ جيِّد لدرجة تثير الفتنة، فهم حسبما يقولون يدعون إلى تحكيم شريعة الله (عز وجل)، وأن يكون الحكم لله وحده، لكنهم مخالفون لدعواهم في التطبيق والفكر، وكان من سيماهم التحليق، أي حلق الرأس، وهي كناية عندهم عن التنسُّك والزهد في الدنيا، وقد تحقَّقت هذه السمات جميعًا في الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ (رضي الله عنه)، وتحقَّق بعضها فيمن تلاهم.
الفكرة من كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
إن الخوارج من أعجب أهل البدع منهجًا ومنهجيَّة، فالباحث في حالهم يتعجَّب كثيرًا كيف لفئة من المسلمين محاربة وتكفير فئة أخرى وفيهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، وقد قاموا بجرائم كان العربي في جاهليته يتعفَّف من ذِكرها عوضًا عن فعلها، وهذا الكتاب مبحثٌ عميق في امتدادهم التاريخي، وأصل فكرتهم، وما آل إليه حالهم في واقعنا المُعاصر، مع سبرٍ لأغوار نفوسهم وبحثٍ في أسباب انحرافهم عن أهل السنة والجماعة.
مؤلف كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
عبد الله بن صالح العجيري: وُلِد عام 1976م بمدينة الخُبر بالسعودية، تخرَّج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بكُلية الهندسة تخصُّص الحاسب الآلي، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود وتخرَّج فيها بكلية أصول الدين، وهو باحثٌ ومفكِّر إسلامي، ومدير لمركز تكوين للدراسات والبحوث، له العديد من المقالات والكتب منها: “شموع النهار“، و”عبث الرواية“، و”ينبوع الغواية الفكرية“.