صناعة الوحش
صناعة الوحش
المجتمع الذي يتربَّى على العنف حتى يمارسه خارجيًّا، يرتد عليه، لذلك فإن أفراده بحاجة دائمة إلى تغذية وإشباع تلك النزعة، وهو ما يحقِّقه الأدب والسينما، فالاستمتاع بمشاهدة الفن العنيف تعبير عن رغبات خفية لدى الأفراد في ممارسة العنف، ولكن لعجزهم عن ذلك واقعيًّا فإنهم يلجؤون إلى عالم الخيال، واستمرار تلك التغذية تشوِّه تدريجيًّا باقي العواطف والانفعالات الإنسانية.
إذا نظرنا إلى التاريخ يمكننا أن نقسم التغيرات التي حدثت للحضارات، فالبداية كانت مع الحضارة البدائية المعتمدة على الصيد، ثم انتقلت إلى طور التقليدية المستقرة بظهور الزراعة، ثم وصلت إلى المرحلة الحديثة بالصناعة والبيروقراطية، وأخيرًا إلى ما بعد الحداثة، فإننا نجد محاولات واضحة للإنسان بالابتعاد عن جانبه الحيواني، باستخدام القوانين والأخلاق والفلسفات والأديان.
ولكن لا تنتهي الحاجة إلى الجانب الحيواني مطلقًا، فعند الحروب هو جانب مرغوب فيه بشدة، ولذلك تحرص بعض الأساليب مثل التدريبات العسكرية على إيقاظ ذلك الحيوان النائم والحفاظ عليه في مستويات آمنة لاستخدامه عند الحاجة.
ولهذا كانت الحاجة كبيرة إلى ظهور فلسفات وأبحاث علمية تبرِّر القتل والعنف، وتمنحهما إطارًا مقبولًا لتسويغهما، كل ذلك ينزل بالإنسان ويبسِّط انفعالاته وعواطفه إلى الدرجة الغريزية البدائية التي تنطلق لتدمير كل ما يقع تحت يديه والسيطرة عليه، ذلك العدوان يتجه ليس فقط إلى البيئة ولكن إلى أبناء جنسه أيضًا، ناحية الطرف الأضعف في المعادلة، الذي يضمن أنه لا يملك قوة الرد، وترتبط نزعة العدوان بالنزعة الجنسية غير السويَّة بصورة غريبة، ولهذا فإن الاغتصاب مثلًا هو التعبير الجنسي عن نزعة العدوان.
الفكرة من كتاب حيونة الإنسان
اختلف الفلاسفة والمفكِّرون في تعريف الإنسان، فتارة هو حيوان ناطق، وأخرى هو حيوان له ذاكرة، وأحيانًا حيوان يميل إلى الاجتماع، بينما يرى الدين أنه مخلوق كرَّمه الله، له نزعات أو شهوات يشترك فيها مع الحيوان، وبنظرة بسيطة حولنا نجد أن عالم اليوم يتبع كل أساليب القهر النفسي والجسدي كي ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان بالكلية.
عملية حيونة الإنسان تتم بالتدريج، وتتخذ من التعود داعمًا كبيرًا لها، فنحن نألف كل قبيح مهما كان ثم نتقبله لكي نتكيَّف ونبقى على قيد الحياة بشعور أقل بالألم، فما الذي يحمل الإنسان على ممارسة العدوان والظلم ضد إنسان آخر؟ أي ما سبب كل تلك المجازر والحروب التي أراقت العديد من الدماء؟ وكيف تنشأ الأنظمة الاستبدادية وتتغذَّى على ممارسة العنف والخوف لدى شعبها؟ وهل نحن بعيدون كما نتخيل عن عملية الحيونة أم من الممكن أن تصيبنا أيضًا؟ كل تلك الأسئلة نجد إجابتها في كتاب “حيونة الإنسان”.
مؤلف كتاب حيونة الإنسان
ممدوح عدوان: كاتب ومسرحي ومترجم وشاعر سوري، ولد في محافظة حماة عام 1941م، وسُمِّي “مدحت”، ولكن نُصِح والده بتغيير اسمه زعمًا بأنه تركي الأصل، وخوفًا من عداوة السوريين للأتراك في ذلك الوقت، فعرف بقية حياته بممدوح، التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة الإنجليزية بقسم الآداب، وعمل في نفس الفترة بصحيفة “الثورة”، ثم عمل لفترة في تدريس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوفي عام 2004م بعد صراع مع مرض السرطان.
تنوَّعت أعماله بين مقالات ومسرحيات مثل: “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وكتب أشهرها: “تهويد المعرفة”، و”دفاعًا عن الجنون”، ودواوين شعرية مثل: “الظل الأخضر”، و”حياة متناثرة”، بينما اكتفى بروايتين فقط هما: “الأبتر”، و”أعدائي”.