التعذيب
التعذيب
كل ممارسة تهدف إلى إيقاع الأذى المادي أو المعنوي بالإنسان هي تعذيب، سواء كان ذلك لانتزاع المعلومات أو الاعترافات، أو لمحض المتعة، ويكمن الألم الأكبر الذي يحس به المعذب في عجزه عن رد الإهانة المصاحبة للتعذيب، وهذا يحطم كرامته وشعوره كإنسان، لينزل درجة في السلم ويقترب أكثر إلى الحيوان، ولكن كيف يتحمَّل البشر ويتصالحون مع فكرة تعذيب آخر أو إبادته؟
يرجعون ذلك إلى أسباب عديدة، محاولين من خلالها التخلُّص من الحمل الأخلاقي وتسكين ضمائرهم، والحجة الأكثر تكرارًا هي إطاعة أوامر السلطة، فإذا أوعز الأمر إلى أنه مجرد تابع ينفِّذ ما أُمِر به من قادته المرهوبين الذين يتحكَّمون بظروف حياتهم ورواتبهم، فقد وجد ضالته أخيرًا، فيندفع لإبادة الآخر محمَّلًا بدوافع وأفكار القادة عنه، فهم بالتأكيد يعرفون أكثر منه.
وبالنسبة للمجازر أو حروب الإبادة فتقسيم وتوزيع المهام وعزلها بعضها عن بعض يزيد من كفاءة التنفيذ ويعزل المنفذين عن الأثر المباشر الذي يحدث لخلع الشعور الأخلاقي، وكذلك سهلت التكنولوجيا الحديثة التي وفَّرت إمكانية القتل عن بعد، فما هي إلا ضغطة زر وتنفجر مدينة بالكامل دون الحاجة إلى تلطيخ أيدينا بصورة مباشرة.
يلعب تصنيف البشر عنصريًّا دورًا مهمًّا في تسهيل عمليات العنف والقتل ضدهم، سواء كان التمييز عرقيًّا أو أيديولوجيًّا، فدائمًا هناك العرق أو الأمة المتوقفة على الباقين، والتي تستحق أن تسود على حسابهم، فهم كالحيوانات، أو بشر بدرجة أدنى، وينزع هذا التصنيف كل الروابط التي يتشابه فيها البشر، فممارسة العنف والتعذيب ضد العاجز أو المستسلم ما هي إلا تعبير عن كراهية المجرم رؤية الجانب المشابه مع الضحية.
الفكرة من كتاب حيونة الإنسان
اختلف الفلاسفة والمفكِّرون في تعريف الإنسان، فتارة هو حيوان ناطق، وأخرى هو حيوان له ذاكرة، وأحيانًا حيوان يميل إلى الاجتماع، بينما يرى الدين أنه مخلوق كرَّمه الله، له نزعات أو شهوات يشترك فيها مع الحيوان، وبنظرة بسيطة حولنا نجد أن عالم اليوم يتبع كل أساليب القهر النفسي والجسدي كي ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان بالكلية.
عملية حيونة الإنسان تتم بالتدريج، وتتخذ من التعود داعمًا كبيرًا لها، فنحن نألف كل قبيح مهما كان ثم نتقبله لكي نتكيَّف ونبقى على قيد الحياة بشعور أقل بالألم، فما الذي يحمل الإنسان على ممارسة العدوان والظلم ضد إنسان آخر؟ أي ما سبب كل تلك المجازر والحروب التي أراقت العديد من الدماء؟ وكيف تنشأ الأنظمة الاستبدادية وتتغذَّى على ممارسة العنف والخوف لدى شعبها؟ وهل نحن بعيدون كما نتخيل عن عملية الحيونة أم من الممكن أن تصيبنا أيضًا؟ كل تلك الأسئلة نجد إجابتها في كتاب “حيونة الإنسان”.
مؤلف كتاب حيونة الإنسان
ممدوح عدوان: كاتب ومسرحي ومترجم وشاعر سوري، ولد في محافظة حماة عام 1941م، وسُمِّي “مدحت”، ولكن نُصِح والده بتغيير اسمه زعمًا بأنه تركي الأصل، وخوفًا من عداوة السوريين للأتراك في ذلك الوقت، فعرف بقية حياته بممدوح، التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة الإنجليزية بقسم الآداب، وعمل في نفس الفترة بصحيفة “الثورة”، ثم عمل لفترة في تدريس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوفي عام 2004م بعد صراع مع مرض السرطان.
تنوَّعت أعماله بين مقالات ومسرحيات مثل: “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وكتب أشهرها: “تهويد المعرفة”، و”دفاعًا عن الجنون”، ودواوين شعرية مثل: “الظل الأخضر”، و”حياة متناثرة”، بينما اكتفى بروايتين فقط هما: “الأبتر”، و”أعدائي”.