المواقف البراجماتية
المواقف البراجماتية
ترفض المواقف البرجماتية آراء المدرستين السابقتين، لأن كلًّا منهما يرجع في تفسيره للقيم إلى أصل سابق حاكم.
أما عن موقفهم فهم لا يعترفون إلا بالواقع الحاضر، فالقيم لديهم هي ما ينشأ خلال العمل ومن أجل العمل، فكل فكرة هي مجرد دعوى حتى يثبت ملاءمتها للواقع فتأخذ طابع القيمة.
أما عن روَّاد هذه المدرسة، فإن أبرز روَّادها شيللر وديوي، وسنتعرَّض لآرائهما ببعضٍ من التفصيل.
ينطلق شيللر من الحقيقة الثابتة لديه، وهي الطبيعة الإنسانية، فهي تمثِّل لديه نقطة البداية، ونقطة النهاية هي إرضاء هذه الطبيعة.
وحيث إن الوجود الإنساني لا ينفصل عن القيم فإن الوقائع الإنسانية لا تخلو من قيمة أيضًا، فالواقع هو ما يصنع القيم وليست القيم شيئًا موجودًا بذاته.
أما ديوي فيرى أنه لا فرق بين خير الفكر وخير السلوك، فالفاعلية الإنسانية واحدة لا تتجزَّأ تجمع كلا الأمرين معًا، ويرى أيضًا أن عملية البحث عن القيم هي عملية مستمرة لا تتوقَّف على حقيقة نهائية، بل تقف عند حل أخير نسبي يكون بداية لبحثٍ آخر، وهكذا تظل القيم في ترقٍّ مستمر، ورحلة البحث هذه لا يختصُّ بها رجل العلم، بل إن كل إنسان مشاركٌ فيها، وذكاء الإنسان يكمن في تقدير الاحتمالات وسلوك طريق خير الخيرَين، وسلوك طريق شر الشرَّين الذي هو خير في هذا الموقف لا غيره من المواقف.
ومن ثم فإن الأخلاق عبارة عن منهج يحيا به الإنسان وليس إملاءً وتلقينًا، لأنه ليس هناك موقف يمر به الإنسان مثل الآخر.
يرى ديوي أيضًا أن العلوم هي جزء من المعرفة الأخلاقية ما دامت هذه العلوم تعين على فهم الإنسان والنظم التي يحيا فيها في هذا الكون.
الفكرة من كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
في ظلِّ هذا الكون الفسيح يتقاسم الإنسان إحساسًا بضآلته داخل هذا الكون، ويشعر بكونه ملقًى في الهواء لا يجد ما يتمسَّك به، ومع ذلك يراوده إدراك بأن له دورًا في هذا الكون ليقوم به، فلا يملك هذا الإنسان إلا أن يتمسَّك بشعاع النور، وهو القيَم لعلَّه يجد ما يحيا من أجله في هذا الكون.
فماذا تعني هذه القيم؟ وماذا كانت آراء من قاموا بتفسير طبيعة القيم والمسائل التي تتعلَّق بها قديمًا وحديثًا؟ وهل القيم من صنع البشر أم أن وجودها يأتي من خارج هذا العالم؟ وهل القيم مجرد وسيلة إلى غاية أعظم منها أم أنها غاية تُطلَب لذاتها؟
ومن خلال آراء من قام بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، سنجد من يغوص داخل النفس الإنسانية باعتبارها محلًّا للقيم، ومن يبحث في المجتمعات باعتبارها موضع أثر هذه القيم، ومن يبحث في الطبيعة باعتبار كون الإنسان جزءًا منها، ومن يبحث فيما وراء الطبيعة بحثًا عن معانٍ لا تدرك بالحواس، وإنما تدرك بالعقل والفكر.
يُحدِّثنا الكتاب حول طبيعة القيمة، والمواقف والآراء المختلفة التي قيلت فيها، ويجيب في النهاية عن بعض الأسئلة المهمة التي تتعلَّق بموضوع القيمة.
مؤلف كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
صلاح قنصوة: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في القاهرة عام 1936م، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة، وعمل رئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة الزقازيق، كما حصل على دكتوراه في مناهج البحث من دولة النرويج.
أعطى اهتمامه الأكبر في مؤلفاته إلى علم الفلسفة، ويعدُّ الكتاب الذي في أيدينا من أهم الكتب التي ألَّفها، وله عدة مؤلفات أخرى مثل: “كتاب فلسفة العلم”، و”اغتراب العلم”، و”في فلسفة الفن”، و”العلم والدين وأسلمة العلم”، إلى غير ذلك من المؤلفات الفلسفية الأخرى.