الزوج الموجود الغائب
الزوج الموجود الغائب
قد يكون الزوج غائبًا رغم وجوده، إمَّا بأن يغلب عليه كثرة الانشغال أو السلبية واللامبالاة، وكلا الزوجين يشتركان في عزل أنفسهما عن مجريات البيت، مع انتظار الأبناء لرد الفعل دومًا من الزوجة، ومن هنا تصبح الأم في واقع جديد مسؤولة فيه عن تربية الأبناء، ومحاولة جذب الأب للمشاركة في أمور البيت إن أرادت الحفاظ على الأسرة.
وتختلف كيفية التعامل مع هذا الواقع تبعًا لسبب عدم قيام الزوج بدوره، فإذا كان الزوج مشغولًا فلا بد للزوجة من محاولة توفير بيئة مناسبة له عند رجوعه إلى البيت، مع الحرص على التواصل الدائم معه وتعويده على إحضار بعض الهدايا للأبناء عند رجوعه، مع تجنُّب الشكوى من الأولاد بمجرد دخول الزوج إلى البيت.
وإذا كان الزوج سلبيًّا، فعادةً ما يكون سبب ذلك خللًا في التربية التي نشأ عليها كعدم التعوُّد على تحمل المسؤولية أو كثرة اللوم والنقد، كما قد تكون سلبية الزوج بسبب الزوجة نتيجة سعيها للانفراد باتخاذ القرارات الخاصة بالأبناء بدعوى أنها الأقرب إليهم، أو كثرة الجدال حول كل قرار، ما يبعث الزوج على ترك الأمر برمَّته لها.
لذلك من المهم إن كان ذلك هو سبب لا مبالاة الزوج أن تراجع الزوجة نفسها، وإن كان سبب هذه اللامبالاة النشأة الخاطئة فلا بد للزوجة من عدم اليأس والسعي في محاولة إصلاحه عن طريق مشاركته وعدم تجاهل وجوده، وعدم مفاجأته بسؤاله عن رأيه في إحدى المشاكل أمام الأبناء كي لا تظهر عدم قدرته على اتخاذ القرارات، والسعي في ترسيخ مهارة اتخاذ القرار لدى الأبناء كي لا يتأثروا بوالدهم.
وحيث إننا نتكلم عن غياب أحد الوالدين رغم حضوره، فلا مانع من أن نشير سريعًا إلى ظاهرة توجد في كثير من بيوت العالم المعاصر وهي الأم العاملة، والتي تعيش صراعًا كبيرًا بين دورها الأساسي كأم ودورها كامرأة عاملة، ورغم الأثر الإيجابي الذي يتبع عمل المرأة كزيادة دخل الأسرة وتنمية ما لديها من مهارات، فإن هناك أيضًا آثارًا سلبية كتأثُّر الاستقرار الأسري وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأطفال.
فإذا لم تكن المرأة مضطرة إلى العمل فمن الأفضل إن أرادت الحفاظ على الأبناء أخذ إجازة من العمل أو تركه، وباستطاعتها العودة فيما بعد عندما يصل الأبناء إلى مرحلة يستطيعون فيها الاعتماد على النفس.
فإن كانت المرأة مضطرة إلى العمل فلا بد من محاولة التنظيم الجيد للوقت، مع محاولة العمل من البيت إن أمكن وعدم قبول عمل يجعلها خارج المنزل لمدة طويلة، مع محاولة شغل الأطفال أثناء غيابها بأعمال مفيدة وقضاء أكبر وقت معهم.
الفكرة من كتاب الأم الوحيدة
في ظل هذا العالم الذي يتغيَّر كل يوم عمَّا كان عليه من قبل، تظل التربية من أصعب التحديات التي يمرُّ بها كلا الوالدين، وعندما يتكفل بعملية التربية فرد واحد تصبح أصعب وأشق، لذلك كانت الأم التي تقوم على تربية أطفالها بمفردها تستحقُّ إلقاء مزيد من الضوء عليها.
وهذا موضع حديث كتابنا “الأم الوحيدة”، ولا نقصد بالأم الوحيدة ما يقصده الغرب بهذا المصطلح، أي الأم التي تنجب طفلًا خارج إطار الزواج، وإنما نقصد به الأم التي فقدت زوجها سواء كان هذا الفقد بوفاة الزوج، أو لغيابه عنها، أو لوجوده مع عدم القيام بدوره.
ويحاول هذا الكتاب الإجابة عن سؤال كيف تقوم الأم بالدور الذي فرض عليها بعد فقد الزوج لكي تعبر بنفسها وأبنائها بسلام من هذا التحدِّي؟ وذلك عن طريق عرض نصائح عملية بالحديث عن أنواع الأمهات الوحيدات.
مؤلف كتاب الأم الوحيدة
عزة عبد الجواد: باحثة دكتوراه في الصحة النفسية، تخرَّجت في معهد الدعوة والدراسات الإسلامية، وقامت بتركيز اهتمامها فيما بعد حول مواضيع الصحة النفسية والتربية والكتابة الروائية.
من مؤلفاتها الروائية: “نبض الجليد”، و”سوار الياسمين”.