بداية صعبة في مصر
بداية صعبة في مصر
زار توماس راسل مصر بصحبة ابن عمه، وقد أُعجِب بها وقرَّر قبول العرض، وبالفعل وجَدَ نفسه مختارًا للعمل بشكل رسمي في أكتوبر 1902م، ووقتها بدأ يتجه نحو حياة أكثر عملية ومشقَّة، إذ تم إرساله إلى مستودع خفر السواحل في المكس بالإسكندرية، وتم تدريبه كأي عسكري مصري في الخدمة، ويتذكَّر توماس دورياته مع مسؤولي خفر السواحل لمراقبة مهرِّبي “الحشيش”، إذ وجد أن ذلك المخدر هو المفضَّل لدى معظم المصريين من الطبقات الدنيا.
أنهى توماس فترة تدريبه وتم تعيينه كنائب مفتش، وعمل في بعض أقسام الشرطة بالإسكندرية، ثم انتقل في يناير 1903م إلى محافظة البحيرة لاستلام عمله كنائب مفتش للداخلية تحت إشراف جورج هورنبلور، الملقب باسم “برغي بك”، وقد اكتسب دراية جيدة بالسياسات العليا في البلاد وهو لم يزل في الثالثة والعشرين من العمر، فكيف كان الوضع السياسي حقًّا؟
كان الوضع السياسي بحسب توماس راسل يتفق مع ما رآه اللورد لويد، مؤلف كتاب “مصر في عهد كرومر”، حول نجاح الاحتلال البريطاني في إعادة الانتعاش المالي لمصر في عام 1904م، وتحقيق الإنجازات الهندسية مع عدم تحقيق نجاحات على المستوى الاجتماعي والديني، وقد وجدت قوانين امتياز أجنبية شملت عدم إمكانية مقاضاة المجرمين الأجانب لأنهم يحتمون بمحاكمهم القنصلية، وبهذا ازدهرت جرائم الأجانب بالطبع.
ورأى توماس بحكم عمله أن مصر آنذاك لم تكن دولة متأخرة أمنيًّا عند مقارنتها بإنجلترا، ولقد كانت أحوال الفلاحين وصحتهم متدنِّية ومعرَّضة لمرضين خطيرين، وهما: البلهارسيا والإنكلستوما، واللذان يصيبان نحو 85% من الذكور في مصر، ويُعتقد أن أهم أسباب هذين المرضين هو تحوُّل نظام الري في مصر من ري الحياض إلى الري الدائم، ولقد لاحظ توماس أن الحكومة قد نجحت في تقليل وجود الحشيش والهيروين، لينتقل الفلاحون إلى عادة جديدة ستستمر مع المصريين كثيرًا، وهي شرب الشاي المغلي.
الفكرة من كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
في عام 1902م، بدأ توماس راسل حياته في مصر بالعمل لدى وزارة الداخلية أثناء الاحتلال البريطاني، وما هي إلا أعوام قليلة حتى استطاع أن يتولَّى منصب حكمدار القاهرة، وهي مكانة مهمة تجعله على رأس شرطة العاصمة، إلا إنه كان مختلفًا بعض الشيء عما عرفه المصريون من الإنجليز، فقد أحدث تطوُّرات واسعة في وقت عانت فيه مصر من الجريمة وانتشار المخدرات التي أهلكت نصف سكانها آنذاك.
ولعلَّ ما يميِّز هذا الكتاب هو سرده الصريح لفترة ندر الحديث عنها في سجلات التاريخ، والتي تتطرَّق إلى أحوال مصر في بداية القرن العشرين، والتي يسردها أخطر وأدهى رجال البوليس الإنجليز آنذاك، ومؤسس أول مكتب لمكافحة المخدرات في مصر، توماس راسل.
مؤلف كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
توماس وينتورث راسل: (1879-1954) هو ضابط شرطة إنجليزي خَدَم في مصر أثناء فترة الاستعمار الإنجليزي، وقد درس العلوم الإنسانية في جامعة كامبريدج، ثم اتجه إلى العمل بوزارة الداخلية المصرية بعد أن استقر وعاش معظم حياته في مصر، وتولَّى منصب حكمدار القاهرة برتبة فريق أول، وهو أعلى منصب أمني بالعاصمة، ويُذكر لراسل أساليبه الجديدة التي أدخلها في الشرطة المصرية، ونجاحه في مكافحة المخدِّرات التي كانت قد وصلت ذروتها خلال أواخر العشرينيات.
معلومات عن المترجم:
مصطفى عبيد: هو كاتب وصحفي وباحث تاريخي ومترجم مصري، تخرَّج في قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة، وقد عمل بالصحافة والتأليف والترجمة، ومن مؤلفاته كتاب “كتب هزَّت مصر”.