صناعة الرجال
صناعة الرجال
مرةً قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأصحابه: تمنوا، فقال أحدُهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله، ثم قال عمر: تمنوا، فقال رجلٌ آخر: أتمنى لو أنها مملوءةٌ لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقولُ يا أميرَ المؤمنين، فقال عمر: “ولكني أتمنى رجالًا مثلَ أبي عبيدةَ بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان”.
فما صِفات أولئك الرجال التي نرغب أن ينشأ أبناؤنا عليها؟ إنهم ذوو عزيمةٍ وهمةٍ عالية، يُقدِّمون واجباتِهم على رغباتهم وشهواتهم، وذوو جُرأةٍ وإقدام، وعندهم بصيرةٌ ووعي بواقعهم ومخططات أعدائهم، ومشاعرهم متوقدة حرصًا على الدعوة إلى دين الله.
ومما يُعيننا على تربية الإرادة والعزيمة في أبنائنا، أن نجعلهم يُقدرون أنفسهم بقُبول شخصياتهم وأفكارهم والاحتفاء بنجاحاتهم والرفق في معالجة أخطائهم، وتذكيرهم باليوم الآخر، وتربيتهم على الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته والصبر على الأقدار، مع الإكثار من عبادة السر التي لا يكون للمرء فيها حظ دنيوي.
ولنُربهم على ضبط اللسان ومراقبة كلماتهم، فكل الجوارح والأعضاء، بما فيها القلب، تابعةٌ للسانِ في فساده واستقامته، ولنعلمهم إمساك اللسان عن فضول الكلام وعن الحرام، وتركَ ما لا يعنيهم والصمت عند الفِتن.
ويحسُن أن نُعلمهم الشعر العربي قديمه وحديثه بما فيه من قيمٍ كالشجاعة وسماحة النفس وبما يحمله من هُويةٍ ومخاطبةٍ للوجدان، ونتذكر وصية عمر لأبي موسى (رضي الله عنهما): “مُر مَن قِبَلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب”، مع عدم الإكثار منه والبعد عن شعر الغزل والرثاء.
وعلينا أن نُربي أبناءنا على أن التغيير والارتقاء بأنفسهم مسؤوليتهم الفردية، ولهم قدوةٌ في أبي هُريرة -رضي الله عنه- الذي كان من أهل الصُّفة بلا مال ولا مسكن، وفاتته مشاهد ومجالس، ولم يمكث مع النبي في المدينة إلا أربع سنوات قبل وفاته ﷺ، ولكنه سبق وتقدَّم بحرصه على الحفظ والعلم.
الفكرة من كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
إن التربية هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، ونحن في حاجةٍ ماسة إلى تجديدها واستعادة إرثنا التربوي الطيب.
والكتاب يحدثنا في موضوعات تربويةٍ عديدة، منها: تأهيل المربي، وتربية العقل الناقد والعقل الإبداعي، وتقدير احتياجات الأبناء وتنمية طاقاتهم، وتربيتهم على المحكمات، وصناعة الرجال.
وأحاديثه كلها مُذهَّبةٌ بأقوالٍ من التراث الإسلامي، من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم، وعلماء المسلمين وأئمتهم الذين فقِهوا التربية.
مؤلف كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
فايز بن سعيد الزهراني، كاتب سعودي مهتم بالتربية الإسلامية، ومن مؤلفاته: “التربية من جديد”، و”مثانٍ – الطريق إلى الريادة في الحلقات القرآنية”، و”غمامتان – جولة مفاهيمية في سورتي البقرة وآل عمران”، وله العديد من المقالات والدورات والمواد المرئية والمسموعة المنشورة على شبكة الإنترنت.