مُحكماتٌ ودرجات
مُحكماتٌ ودرجات
نهدف غالبًا في البرامج التربوية إلى صناعةِ طلابٍ متفردين ذوي عزيمةٍ وإقدام، لكنَّ أكثرهم لن يكونوا كذلك، فكما قال رسول الله ﷺ: ” إنَّما النَّاسُ كالإِبِلِ المِئَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ فيها راحِلَة”، ولذلك لا بد لنا أن نعتني ببناء مساراتٍ تربوية مختلفة تُناسب الشرائح المختلفة وتُناسب عموم الأمة، وعلينا أن نحرص على تعليمِ الناس محكماتِ الإسلام وما لا يَسعُهم جهله، وأن يكون مسار المحكمات هو المسار الأساسي في التربية، بغير أن نهمل مسار تربية أصحاب العزائم، ومع الاهتمام بتربيةِ البنات على ما يُوافق فطرهن ويؤهلهُن ليكنَّ زوجاتٍ صالحات.
وفي زماننا الذي كثُر فيه الفساد، نتذكر عمر بن عبد العزيز الذي توَّلى الخلافة وقد ساءت أحوالٌ كثيرة، فتدَرَّج في الإصلاح، وحين لامه ابنه عبد الملك على أمورٍ أخَّرها رد عليه قائلًا: “أي بُني! إنك على حُسن قسم الله لك، وفيك بعض رأي أهل الحداثة، والله ما أستطيع أن أخرج لهم شيئًا من الدين إلا ومعه طرف من الدنيا أستلين به قلوبهم؛ خوفًا أن ينخرق عليَّ منهم ما لا طاقة لي به”.
ونحرص على غرس محبة الله في النفوس، ونستحضر قول ابن القيِّم: “العارف لا يأمر الناس بترك الدنيا، فإنهم لا يقدرون على تركها، ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم، فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقِم الفريضة؟ فإن صعب عليهم ترك الذنوب؛ فاجتهد أن تحبب الله إليهم بذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله، ونعوت جلاله، فإن القلوب مفطورة على محبته، فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والاستقلال منها والإصرار عليها”.
وعلينا كذلك تذكير الناس بحقيقةِ الموت وباليوم الآخر مع استحضار تفاصيله ومشاهده، فذلك يدفع الناس إلى إصلاح أنفسهم، ويصنع لهم معايير تحكم السلوك والأفكار مع رقابةٍ وجدانية.
ومن أحسن ما يُمكننا فعله لنجعل أبناءنا وطلابنا أبناء للآخرة: أن نربط سلوكهم باليوم الآخر، سواء في التحفيز أم في معالجة الأخطاء، مع اتباع هدى القرآن وسيرة النبي ﷺ.
الفكرة من كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
إن التربية هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، ونحن في حاجةٍ ماسة إلى تجديدها واستعادة إرثنا التربوي الطيب.
والكتاب يحدثنا في موضوعات تربويةٍ عديدة، منها: تأهيل المربي، وتربية العقل الناقد والعقل الإبداعي، وتقدير احتياجات الأبناء وتنمية طاقاتهم، وتربيتهم على المحكمات، وصناعة الرجال.
وأحاديثه كلها مُذهَّبةٌ بأقوالٍ من التراث الإسلامي، من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم، وعلماء المسلمين وأئمتهم الذين فقِهوا التربية.
مؤلف كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
فايز بن سعيد الزهراني، كاتب سعودي مهتم بالتربية الإسلامية، ومن مؤلفاته: “التربية من جديد”، و”مثانٍ – الطريق إلى الريادة في الحلقات القرآنية”، و”غمامتان – جولة مفاهيمية في سورتي البقرة وآل عمران”، وله العديد من المقالات والدورات والمواد المرئية والمسموعة المنشورة على شبكة الإنترنت.